إحداها: وجود خلق آخر قبل آدم (عليه السلام)، وأخراها: أن يكون لهم لغات يتحاوروا بها، الثالثة: مطابقة لغاتهم للغات المتداولة بين بني آدم، والرابعة: صدور وضعها عن غيره تعالى.
وقصارى ما يسلم من هذه المقدمات إنما هو المقدمة الأولى، ثم المقدمة الثانية بعد الإغماض عن منعها، ثم الثالثة كذلك، وأما الرابعة فيتجه المنع عنها، بعد ملاحظة ما كان يقتضيه سوق الآية من تفضيل آدم على الملائكة، فإنه لو صح الفرض المذكور لكان غير آدم من الخلق الذي فرض كونه واضعا أولى بإثباتها له، لمكان علمه مع كونه مخترعا وواضعا، وضرورة بطلان ذلك - كما ترى - تغني عن إقامة البينة والبرهان، مضافة إلى أنه مما يقضي به الآية، حيث إنه تعالى قرر الملائكة في دعواهم الفضيلة على الخلق السابق واللاحق بالنسبة إلى السابق دون اللاحق حيث ردهم بالنسبة إلى اللاحق بإثبات الفضيلة على ما ستعرف تفصيله دون السابق.
ودعوى: أن هذا الغرض غير حاصل، وإن قدر عدم صدور الوضع عن غيره تعالى، لأن الملائكة أيضا لهم أن يتعلموا الأسماء لو علمهم الله، فكيف يثبت بذلك فضيلة لآدم (عليه السلام)، فلابد وأن يكون سبب فضيلته شيئا آخر، ولعله من جهة شرافة نبينا خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) بل الأئمة المعصومين (عليهم السلام) على ما يقتضيه بعض الأخبار، متضح المنع، بأن هذا الغرض لا يتوقف حصوله على انتفاء استعداد التعلم عن الملائكة، بل على ما ظهر لهم من علو رتبته وارتفاع درجته عند الله تعالى، حيث خصه بتعليم الأسماء دونهم، ولعله لأجل ما ذكر أو غيره مما يوجب القرب المعنوي، وإنما يقع النظر في تعليم الأسماء من جهة أنه مما جعله الله تعالى كاشفا للملائكة عن ذلك القرب، فالاستدلال به على الفضيلة من باب الإن، وأقوى ما يفصح عن ذلك ويشهد به أنه تعالى نصبه مرجعا لهم، وفوض إليه إنبائهم بالأسماء فقال: ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾ (1) بعدما اعترفوا بالتحدي والعجز عن الاستقلال