أريد من اسم الإشارة والضمائر الثلاث المختصة بذوي العقول على - ما بيناه - الذين لا محمل لهم في هذا المقام إلا العترة الطاهرة وأهل بيت النبوة (عليهم السلام)، أو الأنبياء وأوصيائهم المعصومين، وغيرهم من أولياء الله المقربين، من أنه (عليه السلام) أبو هؤلاء الأنوار وأنهم من نسله وأولاده وأعقابه.
ولا ريب أن فيه من الفضيلة والشرافة والكرامة ما لا يتصور ما فوقه، وإذا احتمل كون ذلك هو سبب الفضيلة، لا مانع من كون واضع اللغة غيره تعالى من خلق آخر غير آدم (عليه السلام)، غاية ما هنالك انتفاء احتمال كونه من ولده (عليه السلام)، بظهور الوضع المأخوذ في مفهوم " الأسماء " في الوضع الحاصل حال النسبة المعتبرة في الكلام، وهي حال التعليم التي هي حال الماضي، حسبما يقتضيه صيغة " علم " لو سلمناه.
وأما احتمال كونه من خلق سابق احتمالا مساويا فقائم جدا، ولا نافي له في الآية أصلا.
بل قد عرفت عن تفسير الإمام (عليه السلام) ما يقضي بمنع الدلالة من وجه آخر، وهو كون المراد " بالأسماء " ما ليس بداخل في محل البحث على ما أشرنا إليه في صدر المبحث، كما لا يخفى على المتأمل.
ومن الوجوه المذكورة في حجة هذا القول، قوله تعالى: ﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم﴾ (1) بتقريب: أن ليس المراد " بالألسنة " الجارحة المخصوصة، حيث لا اختلاف فيها، ولو كان فهو في غاية الخفاء، بخلافه في غيرها من سائر الجوارح، فإنه فيها أشد وأبلغ وبدائع الصنع فيه أتم وأكمل، فكان عده من جملة الآيات أولى وأجدر، بل المراد بها اللغات الصادرة منها، مجازا من باب تسمية الحال باسم المحل، أو إطلاق اسم السبب على المسبب، أو إطلاق الآلة على ذيها.