في كل لفظ من ألفاظ كل لغة، على معنى لزوم أن لا يبلغ إدراك أحد إلى معاني ألفاظ اللغات، لمكان جهل الكل بالمناسبات الذاتية، وقصور الأذهان عن البلوغ إلى إدراكها، وبطلان التالي معلوم بالضرورة فالمقدم مثله.
لا يقال: إن الملازمة على التقدير الثاني لعلها ممنوعة، فإن المناسبة الذاتية بالنسبة إلى الدلالة إذا اخذت من باب المقتضي، المشروط في تأثيره بالعلم بها أو ما يقوم مقامه - وهو نقل أصل الدلالة إلى الجاهل بالمناسبة ممن أدركها وعثر عليها - لم يلزم ما ذكر، إذ من الجائز أن يحصل العثور عليها لأوائل أهل اللغة أو الأوحدي من كل أمة، فتحصل من جهته الدلالة المستندة إليها لهم، فعرفوها لمن عداهم ممن قصر نظره عن إدراك المناسبة، فيكون الدلالات حينئذ بحيث نقلها كل سابق إلى لاحقه حتى وصلت إلينا وإلى غيرنا من الجاهلين بالمناسبات، وإن حصل ذلك النقل بشهادة الحال وقرائن الأحوال نظرا إلى أنه لا يعتبر فيه التنصيص.
غاية الأمر اشتراط المناسبة في اقتضائها الدلالة بأحد الأمرين، من العلم بها أو حصول نقل أصل الدلالة المستند إليها لغير العالم بها.
لأنا نقول: بأن الالتزام به عدول عن القول باستناد الدلالة إلى المناسبة الذاتية، لكون النقل المذكور المعلوم لقاطبة الجاهلين بالمناسبات حينئذ هو العلة التامة لها، ولا يعقل معه لها مدخلية فيها أصلا، مع أنه لو كانت هناك مناسبات ذاتية أدركها الأوائل أو الأوحدي من الناس لقضت العادة بنقلها، وامتلئت الأسماع بحكاياتها، وكثرت التصانيف في ضبطها وجمعها، كما كثرت في ضبط أصل اللغات، والعلائق المعتبرة في مجازاتها، والأحوال العارضة لها صحة واعتلالا، إعرابا وبناء، فصاحة وبلاغة، ووضعت للوصول إليها أمارات وعلائم، كما وضعت للوضع أمارات وعلامات، واللوازم كلها مما يقضي البديهة ببطلانه.
وأما الملازمة: فلتوفر الدواعي إلى هذه اللوازم، وكثرة الفوائد المترتبة عليها بل دواهي هذه اللوازم القائمة بالنسبة إلى أصل اللغات وأحوالها الإعرابية والإعلالية وغيرها، وعلائق مجازاتها بأعيانها قائمة هنا.