فمطرح الخلاف حينئذ الألفاظ الأصلية الواقعة في العرف على المعاني الأصلية الواصلتين عن أصل اللغة، من غير أن يتطرق إليها تغير ولا نقل ولا ارتجال، كلفظ " الماء " و " الأرض " و " السماء " و " النار " وغير ذ لك.
وإن شئت قلت: موضع النزاع هنا الألفاظ التي وقع النزاع على تقدير ثبوت الوضع فيها في تعيين واضعها، فالقول بالمناسبة الذاتية في هذه الطائفة من الألفاظ قول بالإيجاب الجزئي.
وإذا تمهد هذا كله فاعلم: أن الذي ينبغي أن يقطع به ما صار إليه الجمهور من عدم استناد الدلالة إلا إلى الوضع، بل وعدم كون ما سواه معقولا، بناء على أن المناسبة مفاعلة من النسبة، وهو الربط الحاصل بين أمرين، وكونها ذاتية معناه استنادها إلى ذاتي اللفظ والمعنى، على معنى كونهما لذاتهما مقتضيين لها، فإن ذلك في الحقيقة دعوى غير معقولة كما تعرفه.
لنا: أنه لو كان بين كل لفظ ومدلوله مناسبة ذاتية أستندت إليها الدلالة لكانت إما علة تامة للدلالة، على معنى، أن لا يكون لما عداها من الأمور العدمية والوجودية - حتى علم السامع بها - مدخلية في الدلالة، أو سببا معلقا تأثيره على أمر وجودي كالعلم بها، أو أمر عدمي كعدم القرينة ونحوه، والتالي بكلا قسميه باطل.
أما الأول: فلقضائه بامتناع اختلاف الأمم باختلاف اللغات، وامتناع اختصاص الدلالة في حصولها بشخص دون آخر، وامتناع تحقق الجهل لأحد بشئ من ألفاظ شئ من اللغات المختلفة، ووجوب اهتداء كل أحد إلى جميع الاصطلاحات المتبائنة، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، وقد علمنا خلاف جميع ذلك ضرورة، هذا مضافا إلى استلزامه استحالة تحقق النقل إن أخذ فيه الهجر، واستحالة حصول الهجر معه إن لم يؤخذ فيه في الألفاظ المتنازع فيها لعين ما ذكر، وبطلان اللازم أيضا معلوم بالضرورة.
وأما الثاني: فلقضائه بانسداد باب الدلالة، وامتناع فهم المعنى من كل أحد