والحيض، و " الجون " الدال على الأبيض والأسود، ولولا ذلك لأجل الوضع لقضي بأن يناسب الشئ الواحد بالذات كلا المتنافيين، وأن يدل على الاتصاف بالمتنافيين وأن يختلف ما بالذات إن اعتبر دلالته عليهما معا، أو يتخلف إن اعتبر دلالته على أحدهما، واللوازم بأجمعها باطلة فكذا ملزومها.
وأجيب عنه: بأن الممتنع كون الشئ الواحد مناسبا للمتنافيين من حيث إنهما متنافيان، وأما كونه مناسبا لهما من غير جهة التنافي، بل باعتبار أمر مشترك، أو جهتين مختلفتين فلا امتناع فيه قطعا، ومنه يعلم جواز الاختلاف في المدلول، فإن امتناعه فرع امتناع المناسبة للمتنافيين، وقد عرفت ما فيه.
وقد يقرر الوجه المذكور على نهج آخر، وهو انه يصح وضع كل لفظ لكل معنى حتى لنقيض ما قد وضع له وضده، فإنه لو فرض ذلك لم يلزم منه محال لذاته، بل ذلك معلوم الوقوع " كالقرء " للطهر والحيض وهما نقيضان، و " الجون " للأسود والأبيض وهما ضدان، ولو كان الدلالة لمناسبة ذاتية لما كان كذلك.
وتقريره: أنا لو فرضنا وضع اللفظ الدال على الشئ لنقيضه أو لضده، دل عليه دون هذا المدلول لهما فعليهما، وما بالذات لا يتخلف ولا يختلف، هكذا قرره العضدي، وأوضحه التفتازاني: بأن دلالة الألفاظ على معانيها لو كانت لمناسبة ذاتية بينهما لما صح وضع اللفظ الدال على الشئ بالمناسبة الذاتية لنقيض ذلك الشئ أو ضده، لأنا لو وضعناه لمجرد النقيض أو الضد لما كان له في ذلك الاصطلاح دلالة على ذلك الشئ، فيلزم تخلف ما بالذات وهو محال، ولو وضعناه لذلك الشئ ولنقيضه أو ضده فدل عليهما لزم اختلاف ما بالذات، بأن يناسب اللفظ بالذات للشئ ونقيضه أو ضده وهما مختلفان إنتهى. ويظهر ضعفه بملاحظة الكلمات المتقدمة.
وحجة القول بالمناسبة الذاتية: أنه لو تساوت الألفاظ بالنسبة إلى المعاني لم تختص الألفاظ بالمعاني، وإلا لزم الاختصاص بدون تخصيص أو التخصيص بدون مخصص، وكلاهما محال.