المقطعة والعوذات والطلسمات والنيرنجاب والأشكال المشتملة على الأعداد من المثلثات والمربعات وغيرها، وهذا كما ترى في غاية الوهن والسقوط، لعدم انطباق المناسبات عند قائليها على القاعدة المذكورة، لأن مرادهم بالمناسبات الذاتية إما أن يكون ما يتبعه أصل دلالات الألفاظ على معانيها، كما هو المعنى المعروف من محل الخلاف، أو ما يتبعه الوضع للدلالة على ما زعمه بعضهم واحتمله جماعة، وأيا ما كان فتوهم التفريع فاسد.
أما على الأول: فلأن الدلالة بالنسبة إلى اللفظ ليست من باب الآثار المترتبة على طبائع الحروف التي يتألف منها اللفظ، وإلا لزم إما توقف تلك الآثار في ترتبها على العلم بالجهة المقتضية لها، أو عدم توقف الدلالة في حصولها على العلم بالجهة المقتضية لها، واللازم بكلا قسميه يبطله دليل الخلف، فإن الدلالة لا تحصل إلا للعالم بالجهة المقتضية، وآثار طبائع الحروف لا تدور مدار العلم بطبائعها المقتضية لها.
وتوضيحه: أن الآثار الغريبة والأسرار العجيبة إنما تترتب على طبائع الحروف من باب الخاصية، على معنى إنها خواص أودعها الله عز وجل لحكمته البالغة فيها كالخواص المودعة في كثير من الأجسام المركبة من العناصر الأربعة، بل الخواص المودعة في الأدوية والمعاجين حسبما هو معهود عند الأطباء، ومن حكم الخواص أن لا يكون للعلم والجهل مدخلية فيها، كما في سمية السم، بخلاف دلالة اللفظ على المعنى، فإنها وإن كانت من آثار اللفظ غير أنها متوقفة على العلم بالجهة المقتضية لها، من مناسبة ذاتية أو وضع أو قرينة، فلو جعلناها من مقتضيات طبائع الحروف التي تألفت منها الألفاظ على حد سائر الآثار الغريبة والأطوار العجيبة، لامتنع حصولها إلا للأوحدي الواقفين على الطبائع، كعلماء العدد مثلا وخلافه معلوم بالضرورة، وذلك مما يكشف حينئذ عن عدم مدخلية لها في الدلالة وعدم كونها منوطة بها ومتوقفة عليها.
وتوهم كون الأوحدي بعد ما حصل لهم الدلالة بعثورهم على الطبائع المقتضية لها عرفوها لمن لم يبلغ رتبتهم.