وأما ما عساه يتخيل في دفع الاحتجاج بمسألة الأب والابن من منع بطلان اللازم، بدعوى: صحة إطلاق " الابن " على الأب بعلاقة الكون عليه، وإطلاق " الأب " على الابن بعلاقة الأول إليه، فالصحة حاصلة مستندة إلى هذين النوعين من العلاقة، ولا يلزم منه استنادها إلى النوع الآخر المجامع لهما وهو السببية وأختها.
فيزيفه: ما تقدم الإشارة إليه من أن التجوز هاهنا لابد وأن يتأتى في لفظي من له الأبوة ومن له البنوة، بأن يراد الأول من لفظ " الابن " والثاني من لفظ " الأب " والمفروض ليس من هذا الباب، لكون المراد من " الابن " على الأول الذات المعراة عن وصف البنوة لعلاقة كونها على هذا الوصف، ومن " الأب " على الثاني الذات المعراة عن وصف الأبوة بعلاقة أنه سيوصف به، فلم يرد من الأول من له الأبوة ولا من الثاني من له البنوة، مع أن إطلاق " الابن " على من صار أبا إذا كان باعتبار الإضافة الأولية ليس على المجاز، بل هو على الحقيقة حين مذ تحقق له هذا العنوان إلى ما لقى وجه الله الرحمن، ضرورة أن ابن عمروا حينما صار ابنا لعمرو لا يزول عنه هذا العنوان أبدا ولو صار أبا لألف عمرو.
وثالثها: أنه لولاه لخرج القرآن عن كونه عربيا واللازم يبطله قوله تعالى:
﴿إنا أنزلناه قرآنا عربيا﴾ (1) فيبطل معه الملزوم، أما الملازمة: فلأن ما لم ينقل عن العرب ليس بعربي، والقرآن لاشتماله على مجازات كثيرة مشتمل على غير العربي، فيكون من باب المركب من العربي وغيره، والمركب منهما ليس بعربي.
وجوابه - بعد النقض بالصلاة والصوم وغيرهما مما لم يكن معهودا عند العرب من المعاني المحدثة الشرعية - منع الملازمة، بمنع انحصار العربية فيما نقل عن العرب بشخصه بل نوعه أيضا، بل يكفي فيها اتصال اللفظ بالمعنى المستعمل فيه الناشئ عن الوضع العربي، بواسطة اتصاله بالمعنى الموضوع له المتصل بالمستعمل فيه على الوجه المتقدم.