عموم البلوى بها، وإنما تعرضوا لضبط أنواع العلائق وبالغوا في جمعها حسبما عرفت. وهذا كله آية كون أمر التجوز منوطا بنوع العلاقة، إن أرادوا به إثبات ما يرجع إلى المعنى الذي قررناه فهو جيد، وإن أرادوا به إثبات تجويز الواضع في كل نوع بالخصوص، على وجه يستلزم كون كل نوع بالخصوص ملحوظا عنده بعنوانه الخاص، مصرحا بالتجوز من جهته، كما تقتضيه ما عن بعضهم من: أن الواضع قد اعتبر هذه العلاقات بخصوصها، ونسبه إليهم مدعيا عليه الوفاق، فليس بجيد، لعدم قضاء شئ مما ذكر بالتعرض للإذن، أو ملاحظة أنواع العلاقات بالخصوص، بل لا قضاء في بعضها - حسبما قررناه - إلا بما نبهنا عليه، فلاحظ وتأمل كي يتضح لك صحة ما قلناه.
وأما أهل القول باشتراط نقل الآحاد فلهم وجوه:
أحدها: أنه لولا النقل لكان التجوز قياسا أو اختراعا، أما الملازمة: فلأن المجاز الذي لم ينقل بعينه من الواضع فاستعماله في خلاف معناه إما لعلة مشتركة بينه وبين ما نقل عنه أو لا، والأول قياس والثاني اختراع، وأيا ما كان فهو واضح البطلان.
ودفع: بأن ثبوت الرخصة في اعتبار نوع العلاقة مما يخرجه عن الاختراع، وليس الاستعمال معها لعلة مشتركة، لعدم استناده في الحقيقة إليها وإنما يستند إلى الوضع المفروض انتفاؤه هنا.
وأما على ما قررناه، فيدفعه: أن الاختراع إن أريد به ابتداء الاستعمال فبطلان اللازم بإطلاقه غير مسلم، لما عرفت من أنه يعد عندهم إذا استند إلى العلاقة بالمعنى المتقدم من البلاغة، وليس ذلك من القياس في شئ، لكون علة الجواز في الحقائق اتصال اللفظ بما وضع له الناشئ من الوضع، وفي المجاز اتصاله بخلافه الناشئ من اتصال المعنيين بواسطة الوضع.
وإن أريد مخالفة الاستعمال لقانون اللغة، على وجه يعد الاستعمال من جهته من الغرائب والأغلاط، فالملازمة غير مسلمة كما بيناه مفصلا.