وثانيها: أنه لولاه لجاز استعمال " النخلة " في غير الإنسان، كالحائط والجبل الطويلين لعلاقة المشابهة، و " الصيد " في الشبكة وبالعكس لعلاقة المجاورة، و " الابن " في الأب وعكسه لعلاقة السببية والمسببية.
ودفع تارة: بأن انتفاء الصحة لا ينافي وجود المقتضي، إذا استند إلى وجود المانع، فإن عدم المانع ليس جزء من المقتضي، وحينئذ فيجوز مصادفة المانع له وإن لم يعلم بالخصوص.
وأخرى: بأن ذلك لفقد المقتضي، فإن اللغات لكونها توقيفية، فالأصل فيها عدم جواز الاستعمال إلا ما ثبت فيه الرخصة، ولم تثبت إلا في العلاقة الظاهرة والمناسبة الواضحة، فالمعتبر من المشابهة ما إذا كان وجه الشبه من أظهر خواص المشبه به بل المشبه أيضا، ومن المجاورة ما إذا كانت ملحوظة في الأنظار مع مؤانسة تامة بين المتجاورين، بأن لم يكن أحدهما متنفرا عن الآخر، ومن السببية والمسببية ما لم يكن خفيا، بحيث لم ينتقل إليه الذهن، وعلاقات الأمثلة المذكورة ليست بتلك المثابة، أما الجدار والجبل فلنقصان مشابهتهما النخلة، من حيث إنها إنما تتم إذا تحققت في الطول مع تقارب القطر والحجم، وأما الصيد والشبكة فلكمال المنافرة بينهما، وأما في الأب والابن فلخفاء السببية والمسببية فيهما، وعدم كونهما من أظهر خواصهما في نظر العرف وفي كل من الوجهين نظر.
أما الأول: فلأن المانع المحتمل وجوده إن أريد به ما يرجع إلى الواضع فلا يتصور له معنى محصل، سوى أنه لم يرخص في الاكتفاء بالنوع الموجود في الأمثلة المذكورة ونظائرها، وهذا اعتراف بموجب الاحتجاج، وإن أريد به ما يرجع إلى غيره فتأثيره في المنع غير معقول، فإن الجواز اللغوي لا ينافيه المنع الغير اللغوي على فرض تسليم قيامه، كيف وقيامه غير مسلم.
نعم ربما أمكن كون المانع المدعى قيامه مرادا به ما يوجب سقوط إطلاق النوع المرخص فيه عن الاعتبار، بدعوى: نهوض ما كشف عن أن رخصة الواضع إنما حصلت في الاكتفاء بالنوع في الجملة، ولو باعتبار تحققه في ضمن بعض