وأما مباحث الاجتهاد والتقليد فلا تندرج فيه بهذا المعنى، لعدم ابتناء الفقه ولا الاستنباط على معرفة هذه المسائل كما سنقرره في محله، بل الذي يتوقفان عليه إنما هو وجود نفس المستنبط واحتوائه للشرائط المقررة، وهو غير معرفة الأحكام المتعلقة بهما والمسائل الراجعة إليهما، كما لا يخفى.
فما في كلام بعض الأعلام (1) من أن الأولى هنا إرادة اللغوية ليشمل أدلة الفقه إجمالا وغيرها من عوارضها ومباحث الاجتهاد والتقليد وغيرها، تبعا لغير واحد كالعلامة وغيره في النهاية (2) والمنية (3) وغيرهما في إدراج المباحث المشار إليها في مفهوم " أصول الفقه " ليس على ما ينبغي.
وقد يتكلف في إدراجها فيه باعتبار إرجاع البحث فيها إلى كونه عن حال الدليل، نظرا إلى أن البحث هناك عن حال المستدل، وهو يرجع أيضا إلى أن دلالة تلك الأدلة على ثبوت الأحكام الشرعية إنما هي بالنسبة إلى من جمع الشرائط المخصوصة، فهو أيضا بحسب الحقيقة بحث عن حال الأدلة.
وفيه: ما لا يخفى، فإن أقصى ما يقتضيه ذلك - لو سلم - اندراج ما ذكر في المباحث المتعلقة بحال الدليل ويتجه المنع إلى كون هذا النحو من البحث عن حال الدليل مما يبتنى عليه الفقه لما عرفت من عدم ابتنائه على معرفة هذا البحث.
وكيف كان، فوجه عدم جواز أخذ " الأصول " هنا بأحد المعاني الأربع الاصطلاحية على الوجهين المذكورين، إن المعنى العلمي الاصطلاحي الذي هو " العلم بالقواعد الممهدة... الخ " ليس فردا من استصحابات الفقه ولا ظواهر الفقه ولا قواعد الفقه ولا أدلة الفقه، ليكون بناء الاصطلاح بالقياس إليه على إطلاق الكلي على الفرد، أو النقل من الكلي إلى الفرد، وكما لا يصح أخذه بأحد هذه المعاني الأربع على هذين الوجهين، كذلك لا يصح على الوجه الأخير المتقدم