مستندا لها على معنى أن الدليل علة للحصول الاعتقادي اللاحق بذات الحكم، وهو علة أو ملزوم للعلم المأخوذ في الصغرى، وهو لا يغائر بالذات للعلم المأخوذ في النتيجة، فيكون هذا العلم معلولا عن الحصول الاعتقادي أو ملزوما له، وعلى التقديرين يكون بالأخرة معلولا عن الدليل. ولا ريب أن العلوم المذكورة ليست بهذه المثابة، فتكون خارجة بالقيد بعد اعتبار الحيثية المذكورة.
وإن أخذت تقييدية على معنى كون حيثية الحصول عن الدليل قيدا للحكم، فهي أولا وبالذات وإن كانت مرتبطة بالحكم، إلا أنها بالأخرة أيضا ترتبط بالعلم، لأن الحكم المقيد بها بنفسه قيد له.
ولا ريب أن قيد القيد قيد للمقيد بالقيد، كما في رأيت رجلا عالما بغداديا، حيث إن " البغدادية " ترجع بالأخرة إلى الرجل المقيد بالعالمية فتخصصه، فيكون العلم مقيدا بتلك الحيثية، ومعنى تقيده بها انتفاؤه عند انتفائها، على معنى أنه لو لم تكن الحيثية متحققة لم يكن العلم حاصلا، لامتناع العرض بدون الموضوع، والعلم بدون المتعلق. ولا ريب أن علومهم بالأحكام ليست بتلك المثابة، فتكون خارجة أيضا بالقيد المذكور بعد اعتبار الحيثية.
وربما يورد على القول بكون هذا القيد مخرجا للعلوم المذكورة بما يرجع محصله: إلى أن علم الله سبحانه ذاتي فلا يشمله العلم العرضي، وعلوم غيره من المذكورين ضرورية فلا يشملها العلم النظري، والفقه عبارة عما جامع الوصفين فهي غير داخلة في جنس الحد ليعتبر خروجها بالقيد.
وهذا كما ترى أضعف من الاشكال المتقدم، إذ لو أريد بعدم دخولها في الجنس أن لفظ " العلم " بحسب مفهومه العرفي اللغوي لا يشملها فهو بديهي البطلان، ولو أريد به أنه بالمعنى المراد منه هنا لا يشملها، ففيه: منع كون المراد منه هنا ما يغائر المعنى العرفي العام للجميع.
ولو سلم، فالإيراد إنما يتوجه إلى ظاهر لفظ الحد، والمراد مع عدم اقتران اللفظ بما يوضحه، لا يدفعه، وإلا لم ينتقض شئ من الحدود في جمع ولا منع.