في جملة منها إلى الكتاب، وفي أخرى إلى السنة، وفي ثالثة إلى الإجماع، وفي رابعة إلى العقل والظن المطلق على القول به.
ولا ريب أن هذه الصلاحية منتفية في علم المقلد، ولا يجدي في إعطاء الصلاحية فرض تعدد المجتهدين، ولا اختلافهم في الأعلمية وغيرها والحياة والموت ونحوها كما توهم، لكون الوسط في الجميع واحدا وهو العلم والاعتقاد فتأمل.
فإذا أخذت هذه الصلاحية في مسمى " الفقه " اصطلاحا، كان وجها آخر في الفرق بين المقلد والمجتهد، وكأنه إلى هذا الفرق ينظر ديدنهم الجاري في الفرق بينهما، بأن المقلد ليس له إلا دليل واحد إجمالي بخلاف المجتهد فإن له أدلة تفصيلية، نظرا إلى أن الدليل الإجمالي يراد به المنسوب إلى الإجمال وهو الجمع، يقال: أجملت الشئ إجمالا أي جمعته من غير تفصيل، ومنه اللفظ لجمعه الاحتمالين أو أكثر، فمعنى إجمالية دليل المقلد مع وحدته كونه وسطا واحدا جامعا لشتات الجزئيات بأسرها، لا بمعنى كونه مجملا مرادفا للمبهم، كما هو من لوازم مجمل اللفظ كما توهم، حتى يورد عليه: أن دليل المقلد عام لا أنه مجمل، والأدلة التفصيلية يراد بها المنسوبة إلى التفصيل المأخوذ من الفصل بمعنى الفرقة، فمعنى تفصيلية أدلة المجتهد كونها أوساطا متفرقة مختلفة الحقائق، وقضية هذا الفرق أيضا أن لا يصدق " الفقيه " على المقلد ولا " الفقه " على علمه.
وبعد وضوح الفرق بينهما في الوجهين المذكورين، فإن كان جنس حد الفقه محمولا على الملكة - بالمعنى المتقدم (1) - بقرينة ما تقدم (2) من كون ألفاظ العلوم أسامي للملكات، أو بقرينة أخذ الجمع المعرف في الحد المفيد للاستغراق الغير الصالح إلا على تقدير إرادة الملكة على ما يأتي بيانه، فعلم المقلد خارج بنفس الجنس، ضرورة عدم شمول اللفظ المحمول على معنى مجازي بواسطة القرينة معناه الحقيقي ولا ما هو من أفراده، فلا يفتقر حينئذ إلى مخرج.