ووجه الاندفاع: أنه لو صح القول بعدم خروج الضروريات إلا بحمل الإضافة على العهد، فخروجها حينئذ لكونها ثابتة بالأدلة الكلامية دون الأدلة المعهودة، لزم منه خروج المسائل الفقهية بأسرها بهذا القيد، إذ لا فرق بين الضرورة وغيرها من الأدلة المعهودة الفقهية في كون الجميع ما يحرز به صغرى - وهي كون الأحكام المستفادة منها ثابتة من صاحب الشريعة - لكبرى كلامية، فالأدلة الكلامية معمولة في الجميع لإحراز الكبرى المذكورة لصغرى محرزة تارة بالضرورة، وأخرى بالأدلة المعهودة، فلو صلحت الأدلة المحمولة على الأدلة المعهودة مخرجة للضروريات لمجرد كون كبراها مما يثبت بالأدلة الكلامية، لكانت مخرجة لغيرها أيضا من نظريات الفقه، لكون كبراها مما يثبت بالأدلة الكلامية وهو كما ترى.
فالتحقيق: بناء على ما قررناه إن المسألة ما يعتبر فيها النظر، ومرجع النظر المعتبر في المسائل الفقهية إلى إحراز ما يكون صغرى منتجة لها بضميمة الكبرى المأخوذة من المسائل الكلامية، فكل مسألة مذكورة في الفقه أو غير مذكورة فيه إذا لم يستلزم النظر في إحراز صغراها لم يكن من المسائل الفقهية.
ومن هذا الباب الضروريات، لأن المحرز للصغرى فيها على ما بيناه نفس الضرورة، وهو وضوح الحكم لا النظر.
وإن كانت هنا من باب الضروريات الثانوية، وهي المقدمات التي يتوقف ثبوت محمولاتها لموضوعاتها على وسائط لا تسمى وسطا في الاصطلاح، كالحس والحدس والتجربة ونحوها، لا الضروريات الأولية وهي المقدمات الغير المتوقف ثبوت محمولاتها لموضوعاتها على واسطة أصلا.
وهل يفرق في الضروريات الخارجة عن المسائل الفقهية بين ضروريات الدين، وهي التي يكون وضوح الأمر فيها عند قاطبة أهل ملة الإسلام، وضروريات المذهب، وهي التي يكون وضوح الأمر فيها عند قاطبة الشيعة الإثنى عشرية، وضروريات العلماء وهي التي يكون وضوح الأمر فيها عند قاطبة أهل العلم، أو لا؟