الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الجزء السادس أعاد طبعه دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان 1405 ه 1985 م بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما (148) إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا (149) فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) وتم الكلام. ثم قال جل وعز " إلا من ظلم " استثناء ليس من الأول في موضع نصب، أي لكن من ظلم فله أن يقول ظلمني فلان. ويجوز أن يكون في موضع رفع ويكون التقدير: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم. وقراءة الجمهور " ظلم " بضم الظاء وكسر اللام، ويجوز إسكانها. ومن قرأ " ظلم " بفتح الظاء وفتح اللام وهو زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق وغيرهما على ما يأتي، فلا يجوز له أن يسكن اللام لخفة الفتحة. فعلى القراءة الأولى قالت طائفة:
المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظلم فلا يكره له الجهر به. ثم اختلفوا في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح من ذلك، فقال الحسن: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع (1) عليه، ولكن ليقل: اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي، اللهم حل بينه (2) وبين ما يريد من ظلمي. فهذا دعاء في المدافعة وهي أقل منازل السوء. وقال ابن عباس وغيره: المباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له، فهذا إطلاق في نوع الدعاء على الظالم. وقال أيضا هو والسدي: لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول. وقال ابن المستنير: " إلا من ظلم " معناه، إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول كفر أو نحوه فذلك مباح. والآية على هذا في الاكراه، وكذا قال قطرب: