السمرقندي: وهذا القول يوافق قول أبي حنيفة أنه لا يحكم بينهم ما لم يتراضوا بحكمنا.
وقال النحاس في " الناسخ والمنسوخ " له قول تعالى: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " منسوخ، لأنه إنما نزل أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود فيها يومئذ كثير، وكان الأدعى لهم والأصلح أن يردوا إلى أحكامهم، فلما قوي الاسلام أنزل الله عز وجل " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ". وقاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر ابن عبد العزيز والسدي، وهو الصحيح من قول الشافعي، قال في كتاب الجزية: ولا خيار له إذا تحاكموا إليه، لقوله عز وجل: " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " (1) [التوبة: 29]. قال النحاس: وهذا من أصح الاحتجاجات، لأنه إذا كان معنى قوله: " وهم صاغرون " أن تجرى عليهم أحكام المسلمين وجب ألا يردوا إلى أحكامهم، فإذا وجب هذا فالآية منسوخة.
وهو أيضا قول الكوفيين أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد، لا اختلاف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الامام أنه ليس له أن يعرض عنهم، غير أن أبا حنيفة قال: إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم.
وقال الباقون: يحكم، فثبت أن قول أكثر العلماء أن الآية منسوخة مع ما ثبت فيها من توقيف ابن عباس، ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها منسوخة، لأنهم قد أجمعوا أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلى الامام فله أن ينظر بينهم، وأنه إذا نظر بينهم مصيب عند الجماعة، وألا يعرض عنهم فيكون عند بعض العلماء تاركا فرضا، فاعلا ما لا يحل ولا يسعه. قال النحاس: ولمن قال بإنها منسوخة من الكوفيين قول آخر، منهم من يقول: على الامام إذا علم من أهل الكتاب حدا من حدود الله عز وجل أن يقيمه وإن لم يتحاكموا إليه ويحتج بأن قول الله عز وجل: " وأن احكم بينهم " يحتمل أمرين: أحدهما - وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك. والآخر - وأن احكم بينهم وإن لم يتحاكموا إليك - إذا علمت ذلك منهم - قالوا: فوجدنا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يوجب إقامة الحق عليهم وإن لم يتحاكموا إلينا، فأما ما في كتاب الله فقوله تعالى: " يا أيها