عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16) قوله تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم) أي في التوحيد والايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذ هو مكتوب في الإنجيل. (فنسوا حظا) وهو الايمان بمحمد عليه الصلاة والسلام أي لم يعملوا بما أمروا به وجعلوا ذلك الهوى والتحريف سببا للكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى " أخذنا ميثاقهم " هو كقولك: أخذت من زيد ثوبه ودرهمه، قاله الأخفش. ورتبة " الذين " أن تكون بعد " أخذنا " وقبل الميثاق، فيكون التقدير: أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم، لأنه في موضع المفعول الثاني لاخذنا.
وتقديره عند الكوفيين: ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقه، فالهاء والميم تعودان على " من " المحذوفة، وعلى القول الأول تعودان على " الذين ". ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى، ولا ألينها لبست من الثياب، لئلا يتقدم مضمر على ظاهر.
وفي قولهم: " إنا نصارى " ولم يقل من النصارى دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها، روي معناه عن الحسن.
قوله تعالى: (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) أي هيجنا. وقيل: ألصقنا بهم، مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشئ بالشئ كالصمغ وشبهه. يقال: غري بالشئ يغرى غرا " بفتح الغين " مقصورا وغراء " بكسر الغين " ممدودا إذا أولع به كأنه التصق به.
وحكى الرماني: الاغراء تسليط بعضهم على بعض. وقيل: الاغراء التحريش، وأصله اللصوق، يقال: غريت بالرجل غرا - مقصور وممدود مفتوح الأول - إذ لصقت به. وقال كثير:
إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا * غراء ومدتها حوافل نهل (1)