فدل على أن ما يستحق من العوض منقطع. ثم إنه ينظر فإن أمكن توفيته في دار الدنيا توفت عليه كما توفت على الكفار، وإن تأخر إلى الآخرة فعل به مفرقا على وجه إذا انقطع لا يحس بفقده فيغتم له.
وأيضا فلو كان المستحق دائما لما صح فعله بالكفار، والاحباط لا يدخل فيه عندنا وعند أكثرهم في العوض، فدل على أنه منقطع.
ويجوز أن يوصل العوض إلى مستحقه وإن لم يعلم أنه مستحق لذلك، [بخلاف الثواب الذي من شرطه أن يعلم المستحق أنه مستحق لذلك] 1).
وكل عوض يستحقه الواحد منا على غيره مما له المطالبة به في الدنيا وله استيفاؤه، فإنه متى أسقطه بهبة أو إبراء فإنه يسقط كسائر حقوقه. فأما العوض الذي يستحق على الله تعالى أو بعضنا على بعض على وجه يتأخر استيفاؤه إلى الآخرة فليس يسقط بإسقاطه، لأن الله تعالى هو المستوفى له وهو كالمحجور عليه، فالإسقاط تابع للمطالبة، فمن ليس له المطالبة ليس له الإسقاط. فعلى هذا يؤثر التحليل والابراء في الحقوق التي لها المطالبة بها دون ما ليس لها المطالبة به.
ولما كان اللطف واجبا في التكليف على ما مضى القول فيه وكان من جملة الألطاف معرفة الله على صفاته وجب أن نبين الكلام في المعارف على وجه الاختصار، وأنا أذكر من ذلك جملة مقنعة في هذا الباب.
واعلم أن المعرفة هي العلم بعينه، والعلم هو ما اقتضى سكون النفس إلى ما يتناوله، ولا يكون كذلك إلا وهو اعتقاد للشئ على ما هو به مع سكون النفس، غير أنه لا يجب ذكره في الحد كما لا يجب ذكر كونه عرضا ومحدثا وحالا في محل وغير ذلك، لأن الذي يتميز به سكون النفس فيجب أن يقتصر عليه.
والعلم على ضربين: ضروري، ومكتسب. فالضروري ما كان من فعل