غيرنا فينا على وجه لا يمكننا دفعه عن نفوسنا.
والعلم الضروري على ضربين: أحدهما يحصل في العاقل ابتداء، والثاني يحصل عند سبب. فالأول كالعلم بأن الموجود لا يخلو من أن يكون له أول أو لا أول له، والمعلوم لا يخلو من أن يكون ثابتا أو منتفيا، وما شاكل ذلك مما هو مذكور في أول العقل وقد بيناه.
وما يحصل عند السبب على ضربين: أحدهما يحصل وجوبا كالعلم بالمشاهدات مع ارتفاع اللبس، والثاني يحصل عند سببه بالعادة.
وهو على ضربين: أحدهما العادة فيه مستمرة غير مختلفة كالعلم بالبلدان والوقائع عند من قال هو ضروري، والثاني العادة فيه مختلفة كالعلم بالصنائع عند الممارسة والعلم بالحفظ عند تكرار الدرس.
والمكتسب هو كل ما كان من فعلنا من العلوم، وهو على ضربين: أحدهما يحصل متولدا عن نظر، والآخر يحصل من غير نظر. فما يحصل عن نظر فسنذكر أوصافه، والثاني فنحو ما يفعله المنتبه من نومه وقد كان عالما بالله وصفاته، فإذا انتبه وتذكر نظره فعل اعتقادا لما كان له معتقدا فيكون ذلك الاعتقاد علما. ولا بد أن يفعل هذا الاعتقاد عند التذكر لأنه ملجأ إلى فعله، ولا يمكن أن يكون واقعا عن نظر، لأنه لو كان كذلك لترتبت فحسن ترتب النظر في زمان متراخ، والمعلوم خلافه.
والعلوم الكسبية من فعلنا، لوجوب وقوعها بحسب دواعينا وأحوالنا، ففارقت بذلك العلوم الضرورية التي تحصل من فعل الله تعالى.
وسكون النفس الذي اعتبرناه هو ما يجده الإنسان من نفسه عند العلم بالمشاهدات وأنه لا يضطرب عليه ولا يشك فيه، وإن كان طريقة الاستدلال أمكنه حل كل شبهة تدخل عليه. فأما ما يحكى عن السوفسطائية من الخلاف فيه فلا اعتبار