وذلك يبطل قول الفريقين على كل حال.
ويبطل قول البكرية أيضا ما نعلمه ضرورة أنا كنا نتألم في حال الطفولة بالأمراض والجراحات والدماميل التي لا يقدر عليها غير الله تعالى، فمن دفع ذلك كان مكابرا.
وأيضا فإنا نعلم أن البهيمة تجوع وتعطش فتتألم بذلك، وذلك من فعل الله تعالى. على أن ما نعلمه ضرورة من هرب البهيمة من الآلام والضرب، يبطل قول من قال إنهم لا يألمون. ومما يبطل مذهب التناسخية أن من شرط ما نفعل من الآلام المستحقة أن يقارنها استخفاف وإهانة، ومعلوم قبح ذلك بالبهائم والأطفال، ومن استحسن ذلك كان جاهلا مكابرا للعقول.
وأيضا فالأنبياء تألم بالآلام، ولا يجوز أن يكونوا مستحقين للعقاب لا قبل النبوة ولا بعدها، لقيام الدليل على عصمتهم.
وأيضا فلو كان ذلك مستحقا لوجب أن يذكر تلك الأحوال مع التذكر الشديد وإنهم عصوا فيها، لأن العاقل لا يجوز أن ينسى مثل ذلك مع قوة التذكر، وإن نسي بعضه فلا يجوز أن ينسى جميعه، ولو جاز أن ينسى بعض العقلاء ذلك لم يجز أن ينساه جميعهم، ولو جاز أن ينسى كذلك لجاز أن ينسى أحدنا أنه ولي ولاية في بلد بعينه سنين كثيرة وكثر فيه أعوانه وأتباعه ورزق فيه أولادا لكنه نسي، وذلك تجاهل وطول المدة كقصرها، ولهذا نقول: إن أهل الجنة لا بد أن يذكروا أحوال الدنيا أو أكثرها، وما يتخلل بين ذلك من زوال العقل ليس بأكثر مما يتخلل بين ذلك بالنوم المزيل للعقل وأنواع الأمراض المزيلة للعقل، والزمان الطويل في هذا الباب كالزمان القصير.
وليس لهم أن يقولوا كان زمان التكليف يسيرا. ألا ترى أن من دخل ساعة