لا يمكنه دفعه إلا بإدخال بعض الآلام عليه، والقديم تعالى يقدر على دفع كل ضرر من غير أن يدخل عليه ألما، فلم يحسن لذلك.
والصحيح أن القديم تعالى لا يفعل ألما لا في المكلفين ولا في غيرهم في دار التكليف إلا إذا كان فيه غرض يخرجه من كونه ظلما أو عوض يخرجه من كونه عبثا، ولا يجوز أن يفعل الألم لمجرد العوض، لأن مثل العوض يحسن الابتداء به ولا يجوز أن يفعله لأجل العوض.
ويفارق ذلك الثواب، لأن الثواب يستحق على وجه من التعظيم والاجلال ولا يحسن الابتداء بمثله، وليس كذلك العوض لأنه مجرد المنافع. ولذلك لا يحسن منا أن نستأجر غيرنا لينقل الماء من نهر إلى نهر ولا عوض لنا فيه غير إيصال الأجرة إليه، وكذلك لا يحسن أن يوافقه على أن يضربه [ويعطيه عوضا من ضربه] 1) لا لغرض غير إيصال العوض إليه، ومعلوم ضرورة قبح ذلك.
وليس لأحد أن يقول: الاستحقاق له مزية على التفضل في الشاهد فجاز أن يفعل لذلك الألم، لأن الاستحقاق إنما يكون له مزية في الشاهد لما يلحق المتفضل عليه من الآنفة وإن تميز المتفضل عليه بذلك أو يلحقه بعض الغضاضة، ولذلك يختلف باختلاف أحوال المتفضل من جلاله وعظم قدره، وكل ذلك مفقود مع الله تعالى، فلا مزية للاستحقاق على التفضل من جهته.
فأما من قال الألم لا يحسن إلا للاستحقاق من البكرية والتناسخية، حتى قالت البكرية أن الأطفال والبهائم لا تألم أصلا لما رأت أنها غير مكلفة، وقالت التناسخية أنه قد كان لهم فيما مضى زمان تكليف، فما ينالهم من الآلام في هذا الوقت فباستحقاقهم لما عصوا في ذلك الوقت. والذي يدل على فساد قول الفريقين ما قدمناه من أنه يحسن الآلام للمنافع الموفية عليها ولدفع ضرر أعظم منها،