صحيح، لأن التفضل غير واجب والانتصاف واجب فكيف تعلق بما ليس بواجب، وعلى هذا يجب أن يكون مستحقا في الحال لمثل ما يستحق عليه دون أن يكون المعلوم من حاله أنه لا يخرج من دار الدنيا إلا وهو مستحق له على ما ذهب إليه أبو هاشم، لمثل ما قلناه من أن الانتصاف واجب والتقية ليست واجبة.
وأما ما يفعله الواحد منا بنفسه من الآلام فإنه لا يستحق عليها العوض، لأن من شرط المستحق أن يكون غير المستحق عليه، وذلك لا يصح فيما بين الإنسان ونفسه، غير أنه يستحق ذما إن كان قبيحا ومدحا إن كان حسنا له مدخل في استحقاق المدح.
وليس من شرط من يستحق عليه العوض أن يكون عاقلا، لأن البهائم تستحق عليها الأعواض، لأنا بينا أن العوض على المؤلم دون الممكن، ومن ألجأ غيره إلى الاضرار استحق عليه العوض سواء أضر بنفسه أو بغيره، لأنه في حكم ما فعله الملجئ بنفسه.
ومن وضع طفلا تحت البرد حتى هلك فالعوض على الواضع دونه تعالى لأنه بتعريضه للهلاك كأنه فعل نفس الهلاك، ولذلك يذمه العقلاء على هلاك الصبي وإن كان ذلك من فعل الله، لأنه بتعريضه للهلاك كأنه فعل نفس الهلاك وقد ورد الخبر بأن الله تعالى ينتصف للشاة الجماء من الشاة القرناء 1)، فدل ذلك على أن العوض على المؤلم وإن لم يكن عاقلا.
والعوض يستحق منقطعا، لأنه لو استحق دائما لما حسن تحمل ألم في الشاهد لمنافع منقطعة كما لا يحسن منها تحمله من غير عوض وقد علمنا حسنه،