النظر تحرزا من الضرر كسائر الأفعال التي تجري هذا المجرى. ولا فرق بين أن تكون المضرة معلومة أو مظنونة في وجوب التحرز منها، لأن جميع المضار في الشاهد مظنونة ومع هذا يجب التحرز منها.
ولا يبلغ الخوف من ترك النظر إلى حد الالجاء المسقط للوجوب، لأن المضرة إنما تلجئ إذا كانت عاجلة كبيرة والمضرة المخوفة بترك النظر دينية آجلة فلا تكون ملجئة، فعلى هذا المحرك على النظر والمخوف من تركه بينه على جهة الخوف وأمارته على ما سنذكره، فإذا خاف العقاب بتركه وأمل زواله بالنظر وجب النظر وإن كثر وشق، لأن الذي يأمل زواله بالنظر أعظم وأغلظ.
والعلم بوجوب النظر عند الخوف بالخاطر وغيره ضروري عام للعقلا، وكل عاقل يعلم ذلك من نفسه. ولا يلزم على ذلك ما تقوله المقلدة وأصحاب المعارف من أنا لا نخاف من ترك النظر على ما يدعونه، وذلك أن أول ما فيه إنا لا نعرف من أصحاب المعارف من لا يجوز على مثل ادعاء ما يعلم من نفسه خلافه.
فأما من ذهب إلى التقليد فإنما ينكر المناظرة دون النظر، والمناظرة غير النظر، ومع هذا ربما التجؤا إلى المناظرة في كثير من الأحوال. على أنا نقول العلم بوجوب النظر للفصل في طريق المعرفة إنما يحصل عند الخوف في ابتداء التكليف ويحصل لبعض العقلاء في حال لا يحصل فيها لجميعهم لاختلاف أحوالهم فلا يمتنع أن يدخل بعضهم على نفسه شبهة فيزول هذا الخوف. فلا يعلم وجوب النظر عليه، لأن العلم بوجوب هذا النظر إنما هو علم بوجوب ما له صفة مخصوصة يجوز أن يعترض شبهة فيها. وجرى ذلك مجرى إدخال الخوارج شبهة على نفوسهم في قتل مخالفهم الذي هو ظلم على الحقيقة حتى اعتقدوا حسنه لما جهلوا صفته المخصوصة.