ذلك فيتغير داعيه، والقديم تعالى لا يجوز عليه البداء على حال. والعلم باستحقاق من منع اللطف الذم ضروري كالعلم باستحقاق من منع التمكين مثل ذلك.
فإن قيل: ما قولكم في الداعي إلى طعامه لو غلب في ظنه أنه لا يحضر طعامه إلا بعد أن يبذل له شطر ماله أو يقتل بعض أولاده وغير ذلك مما عليه فيه ضرر عظيم.
قلنا: هذا أولا لا يطعن على ما نريده من وجوب اللطف على الله تعالى، لأن جميع ذلك لا يليق به، لأن كل ما يفعله تعالى يجري مجرى ما لا مشقة عليه فيه من التبسم وغيره، وإذا وجب التبسم وما جرى مجراه من فعلنا وجب جميع الألطاف من فعله، لأنها جارية مجراه من فعلنا لأنه لا مشقة عليه فيها.
ثم نقول: الواحد منا إذا كلف غيره حضور طعامه لا يخلو أن يكون غرضه نفع المدعو أو نفع نفسه وما يرجع إليه، فإن كان الأول وجب عليه من اللطف ما لا مشقة عليه فيه أو ما لا يعتد به من المشقة اليسيرة، ومتى كانت فيه مشقة عظيمة لم يجب. والمشاق معتبرة في وجوب الفعل أو حسنه فإن كان غرضه نفع نفسه وما يعود إليه وجب أن يقابل بين الضرر الداخل وبين الضرر عليه فيما يفعله لنفع ذلك الفعل ويدفع الأكثر بالأقل.
وأما المفسدة فهي ما يقع عندها الفساد ولولاه لم يقع، أو يكون أقرب إلى لفساد ولولاه لم يكن أقرب أو ينصرف عنده من الواجب أو يكون إلى الانصراف أقرب ولا يكون له حظ في التمكين. والعلم بقبح ما هذه صفته ضروري لا يلتفت إلى خلاف من يخالفه فيه.
فأما من لا لطف له - بأن يكون المعلوم من حاله أنه يطيع على حال أو يعصي - فإنه يحسن تكليفه لأنه متمكن من الفعل بسائر ضروب التمكنات، وليس في المعلوم ما يقوي داعيه فيجب فعله به، فينبغي أن يحسن تكليفه.