أن يجوز كلا الأمرين ويشك فيه، لأنه لا يمتنع أن تتعلق المصلحة بكل واحد من الأمرين.
ويلزم من قال بوجوب الموت لو لم يقتل أن كل من مات بسبب من جهة الله من غرق أو هدم وما أشبههما، إنه لو لم يكن ذلك لمات لا محالة. ويلزم أن يكون من ذبح غنم غيره بغير إذنه محسنا إليه ولا يكون مسيئا لأنه بالذبح قد جعله بحيث ينتفع بها ولو لم يذبحها لماتت ولم ينتفع بها فكان ينبغي أن يمدحه ولا يذمه، ولا يقبل العقلاء عذره إذا قال لو لم أذبحها لماتت فما أسأت إليه، بل كلهم يذمونه ويقولون أسأت إليه.
ولا يلزمنا إذا جوزنا موتها مثل ذلك، لأن بالتجويز لا يخرج عن كونه مسيئا وإنما بالقطع يخرج. ويجري ذلك مجرى تجويزنا فيمن سلب مال غيره وغصبه إياه أن يكون الفقر أصلح له في دينه من الغنى، ولا يقتضي تجويزنا ذلك حين سلب المال لأجل التجويز، وكذلك لا ينبغي أن يقطع على أنه لو لم يقتل لعاش لا محالة، لأنه لولا يمتنع أنه لو لم يقتل لاقتضت المصلحة إماتته، فالشك هو العرض. ولا يخرج هذا التجويز القاتل من كونه ظالما، لأنه أدخل ضررا غير مستحق على غيره لا لدفع ضرر ولا اجتلاب نفع، وهذا حقيقة الظلم.
والقديم تعالى إذا أماته لا يقطع على أنه أدخل عليه ألما، ومتى أدخله عوضه عوضا يخرجه من كونه ظلما. وليس كذلك إذا قلناه، لأن ذلك الألم قبيح لا محالة. والعوض الذي ينتصف الله منه في مقابلته يعذر ولا يخرجه من كونه ظلما.
فإن قيل: فيمن قتل خلقا عظيما أو ذبح غنما كثيرة في حالة واحدة فهل تجوزون موتهم في حالة واحدة أو بقاءهم، فإن أجزتم موتهم في حالة واحدة فالعادة بخلاف ذلك وإن لم تجيزوه بطل قولكم في التجويز.