صدوا عن المسجد الحرام الطائفين والعاكفين والركع السجود.
وأما قوله تعالى: * (وإخراج أهله منه) * فالمراد أنهم أخرجوا المسلمين من المسجد، بل من مكة، وإنما جعلهم أهلا له إذ كانوا هم القائمين بحقوق البيت كما قال تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق به وأهلها) * (الفتح: 26) وقال تعالى: * (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون) * (الأنفال: 34) فأخبر تعالى أن المشركين خرجوا بشركهم عن أن يكونوا أولياء المسجد، ثم إنه تعالى بعد أن ذكر هذه الأشياء حكم عليها بأنها أكبر، أي كل واحد منها أكبر من قتال في الشهر الحرام، وهذا تفريع على قول الزجاج، وإنما قلنا: إن كل واحد من هذه الأشياء أكبر من قتال في الشهر الحرام لوجهين: أحدهما: أن كل واحد من هذه الأشياء كفر، والكفر أعظم من القتال والثاني: أنا ندعي أن كل واحد من هذه الأشياء أكبر من قتال في الشهر الحرام وهو القتال الذي صدر عن عبد الله بن جحش، وهو ما كان قاطعا بوقوع ذلك القتال في الشهر الحرام، وهؤلاء الكفار قاطعون بوقوع هذه الأشياء منهم في الشهر الحرام، فيلزم أن يكون وقوع هذه الأشياء أكبر.
أما قوله تعالى: * (والفتنة أكبر من القتل) * فقد ذكروا في الفتنة قولين أحدهما: هي الكفر وهذا القول عليه أكثر المفسرين، وهو عندي ضعيف، لأن على قول الزجاج قد تقدم ذكر ذلك، فإنه تعالى قال: * (وكفر به أكبر) * فحمل الفتنة على الفكر يكون تكرارا، بل هذا التأويل يستقيم على قول الفراء.
والقول الثاني: أن الفتنة هي ما كانوا يفتنون المسلمين عن دينهم، تارة بإلقاء الشبهات في قلوبهم، وتارة بالتعذيب، كفعلهم ببلال وصهيب وعمار بن ياسر، وهذا قول محمد بن إسحاق وقد ذكرنا أن الفتنة عبارة عن الامتحان، يقال فتنت الذهب بالنار إذا أدخلته فيها لتزيل الغش عنه، ومنه قوله تعالى: * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * (التغابن: 15) أي امتحان لكم لأنه إذا لزمه إنفاق المال في سبيل الله تفكر في ولده، فصار ذلك مانعا له عن الإنفاق، وقال تعالى: * (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * (العنكبوت: 1، 2) أي لا يمتحنون في دينهم بأنواع البلاء، وقال: * (وفتناك فتونا) * (طه: 40) وإنما هو الامتحان بالبلوى، وقال: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) * (العنكبوت: 10) والمراد به المحنة التي تصيبه من جهة الدين من الكفار وقال: * (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا) * (البروج: 10) والمراد أنهم آذوهم وعرضوهم على العذاب ليمتحنوا ثباتهم على دينهم، وقال: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم