الغرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر فكان اختيار التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة إلا أنه تعالى ما صرح بهذا الكلام لئلا تضيق قلوبهم بل أبهم الكلام بحيث يكون ظاهره كالموهم لما أرادوه، وباطنه يكون موافقا للحق، وهذا إنما حصل بأن ذكر هذين اللفظين على سبيل التنكير، ولو أنه وقع التعبير عنهما أو عن أحدهما بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة الجليلة، فسبحان من له تحت كل كلمة من كلمات هذا الكتاب سر لطيف لا يهتدي إليه إلا أولوا الألباب.
المسألة الثانية: اتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية حرمة القتال في الشهر الحرام ثم اختلفوا أن ذلك الحكم هل بقي أم نسخ فنقل عن ابن جريج أنه قال: حلف لي عطاء بالله أنه لا يحل للناس الغزو في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا على سبيل الدفع، روى جابر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى وسئل سعيد بن المسيب هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال نعم، قال أبو عبيد: والناس بالثغور اليوم جميعا على هذا القول يرون الغزو مباحا في الشهور كلها، ولم أر أحدا من علماء الشام والعراق ينكره عليهم كذلك حسب قول أهل الحجاز.
والحجة في إباحته قوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (التوبة: 5) وهذه الآية ناسخة لتحريم القتال في الشهر الحرام، والذي عندي أن قوله تعالى: * (قل قتال فيه كبير) * هذا نكرة في سياق الإثبات فيتناول فردا واحدا، ولا يتناول كل الأفراد، فهذه الآية لا دلالة فيها على تحريم القتال مطلقا في الشهر الحرام، فلا حاجة إلى تقدير النسخ فيه.
أما قوله تعالى: * (وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: للنحويين في هذه الآية وجوه الأول: قول البصريين وهو الذي اختاره الزجاج، أن قوله: * (وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه) * كلها مرفوعة بالابتداء، وخبرها قوله: * (أكبر عند الله) * والمعنى: أن القتال الذي سألتم عنه، وإن كان كبيرا، إلا أن هذه الأشياء أكبر منه، فإذا لم تمتنعوا عنها في الشهر الحرام، فكيف تعيبون عبد الله بن جحش على ذلك القتال مع أن له فيه عذرا ظاهرا، فإنه كان يجوز أن يكون ذلك القتل واقعا في جمادى الآخرة، ونظيره قوله تعالى لبني إسرائيل: * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفكسم) * (البقرة: 44)، * (لم تقولون ما لا تفعلون) * (الصف: 2) وهذا وجه ظاهر، إلا أنهم اختلفوا في الجر في قوله: * (والمسجد الحرام) * وذكروا فيه وجهين أحدهما: أنه عطف على الهاء في به والثاني: وهو قول الأكثرين: أنه