عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن منها * (يسألونك عن الشهر الحرام) *.
والقول الثاني: أن هذا السؤال كان من الكفار قالوا: سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن القتال في الشهر الحرام حتى لو أخبرهم بأنه حلال فتكوا به واستحلوا قتاله فيه فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) * أي يسألونك عن قتال في الشهر الحرام * (قل قتال فيه كبير) * ولكن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام والكفر به أكبر من ذلك القتال * (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم) * فبين تعالى أن غرضهم من هذا السؤال أن يقاتلوا المسلمين ثم أنزل الله تعالى بعده قوله: * (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (البقرة: 194) فصرح في هذه الآية بأن القتال على سبيل الدفع جائز. المسألة الثانية: قوله تعالى: * (قتال فيه) * خفض على البدل من الشهر الحرام، وهذا يسمى بدل الاشتمال، كقولك: أعجبني زيد علمه ونفعني زيد كلامه وسرق زيد ماله، وسلب زيد ثوابه، قال تعالى: * (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود) * (البروج: 4، 5) وقال بعضهم الخفض في قتال على تكرير العامل والتقدير: يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه، وهكذا هو في قراءة ابن مسعود والربيع، ونظيره قوله تعالى: * (للذين (الأعراف: 75) استضعفوا لمن آمن منهم) * وقرأ عكرمة * (قتل فيه) *.
أما قوله تعالى: * (قل قتال فيه كبير) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: * (قتال فيه) * مبتدأ و * (كبير) * خبره، وقوله: * (قتال) * وإن كان نكرة إلا أنه تخصص بقوله: * (فيه) * فحسن جعله مبتدأ والمراد من قوله: * (كبير) * أي عظيم مستنكر كما يسمى الذنب العظيم كبيرة قال تعالى: * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) * (الكهف: 5).
فإن قيل: لم نكر القتال في قوله تعالى: * (قتال فيه) * ومن حق النكرة إذا تكررت أن تجيء باللام حتى يكون المذكور الثاني هو الأول، لأنه لو لم يكن كذلك كان المذكور الثاني غير الأول كما في قوله تعالى: * (إن مع العسر يسرا) * (الشرح: 6).
قلنا: نعم ما ذكرتم أن اللفظ إذا تكرر وكانا نكرتين كان المراد بالثاني إذن غير الأول والقوم أرادوا بقولهم: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) * ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله بن جحش، فقال تعالى: * (قل قتال فيه كبير) * وفيه تنبيه على أن القتال الذي يكون كبيرا ليس هو هذا القتال الذي سألتم عنه، بل هو قتال آخر لأن هذا القتال كان الغرض به نصرة الإسلام وإذلال الفكر فكيف يكون هذا من الكبائر، إنما القتال الكبير هو الذي يكون