أن يفتنكم الذين كفروا) * (النساء: 101) وقال: * (ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم) * (الصافات: 162، 163) وقال: * (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) * (آل عمران: 7) أي المحنة في الدين وقال: * (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) * (المائدة: 49) وقال: * (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) * (الممتحنة: 5) وقال: * (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) * (يونس: 85) والمعنى أن يفتنوا بها عن دينهم فيتزين في أعينهم ما هم فيه من الكفر والظلم وقال: * (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون) * (القلم: 65) قيل: المفتون المجنون، والجنون فتنة، إذ هو محنة وعدول عن سبيل أهل السلامة في العقول.
فثبت بهذه الآيات أن الفتنة هي الامتحان، وإنما قلنا: إن الفتنة أكبر من القتل لأن الفتنة عن الدين تفضي إلى القتل الكثير في الدنيا، وإلى استحقاق العذاب الدائم في الآخرة، فصح أن الفتنة أكبر من القتل فضلا عن ذلك القتل الذي وقع السؤال عنه وهو قتل ابن الحضرمي.
روى أنه لما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن جحش صاحب هذه السرية إلى مؤمني مكة: إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، ومنع المؤمنين عن البيت الحرام قال: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) * والمعنى ظاهر، ونظيره قوله تعالى: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) * (البقرة: 120).
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما زال يفعل كذا، ولا يزال يفعل كذا، قال الواحدي: هذا فعل لا مصدر له، ولا يقال منه: فاعل ولا مفعول، ومثاله في الأفعال كثير نحو * (عسى) * ليس له مصدر ولا مضارع وكذلك: ذو، وما فتئ، وهلم، وهاك، وهات، وتعال، ومعنى: * (لا يزالون) * أي يدومون على ذلك الفعل لأن الزوال يفيد النفي فإذا أدخلت عليه: ما، كان ذلك نفيا للنفي فيكون دليلا على الثبوت الدائم.
المسألة الثانية: قوله: * (حتى يردوكم عن دينكم) * أي إلى أن يردوكم وقيل المعنى: ليردوكم.
المسألة الثالثة: قوله: * (إن استطاعوا) * استبعاد لاستطاعتهم، كقول الرجل لعدوه: إن ظفرت بي فلا تبق على وهو واثق بأنه لا يظفر به.
ثم قال تعالى: * (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي قوله: * (ومن يرتدد) * أظهر التضعيف مع الجزم لسكون الحرف الثاني: وهو أكثر في اللغة من الإدغام، وقوله: * (فيمت) * هو جزم بالعطف على * (يرتدد) * وجوابه * (فأولئكم حبطت أعمالهم) *.
المسألة الثانية: لما بين تعالى أن غرضهم من تلك المقاتلة هو أن يرتد المسلمون عن دينهم،