المباشر دون الخاطب، وأيضا قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها) دليل واضح مع أنه لم يحضر هناك ولى البتة، وأجاب أصحابنا بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر قد يضاف أيضا إلى المتسبب، يقال: بنى الأمير دارا، وضرب دينارا، وهذا وإن كان مجازا إلا أنه يجب المصير إليه لدلالة الأحاديث على بطلان هذا النكاح.
(المسألة الخامسة) قوله تعالى: قوله تعالى (فبلغن أجلهن) محمول في هذه الآية على انقضاء العدة، قال الشافعي رضي الله عنه: دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين، ومعنى هذا الكلام أنه تعالى قال في الآية السابقة (فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) ولو كانت عدتها قد انقضت لما قال (فأمسكوهن بمعروف) لان إمساكها بعد انقضاء العدة لا يجوز، ولما قال (أو سرحوهن بمعروف) لأنها بعد انقضاء العدة تكون مسرحة، فلا حاجة إلى تسريحها، وأما هذه الآية التي نحن فيها فالله تعالى نهى عن عضلهن عن التزوج بالأزواج، وهذا النهى إنما يحسن في الوقت الذي يمكنها أن تتزوج فيه بالأزواج، وذلك إنما يكون بعد انقضاء العدة، فهذا هو المراد من قول الشافعي رضي الله عنه، دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين.
أما قوله تعالى (إذا تراضوا بينهم بالمعروف) ففيه مسائل:
(المسألة الأولى) في التراضي وجهان: أحدهما: ما وافق الشرع من عقد حلال ومهر جائز وشهود عدول، وثانيها: أن المراد منه ما يضاد ما ذكره في قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرار لتعتدوا) فيكون معنى الآية أن يرضى كل واحد منهما ما لزمه في هذا العقد لصاحبه، حتى تحصل الصحبة الجميلة، وتدوم الألفة.
(المسألة الثانية) قال بعضهم: التراضي بالمعروف، هو مهر المثل، وفرعوا عليه مسألة فقهية وهي أنها إذا زوجت نفسها ونقصت عن مهر مثلها نقصانا فاحشا، فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة، وللولي أن يعترض عليها بسبب النقصان عن المهر، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس للولي ذلك حجة أبي حنيفة رحمه الله في هذه الآية هو قوله تعالى (إذا تراضوا بينهم بالمعروف) وأيضا أنها بهذا النقصان أرادت إلحاق الشين بالأولياء، لان الأولياء يتضررون بذلك لانهم يعيرون بقلة المهور، ويتفاخرون بكثرتها، ولهذا يكتمون المهر القليل حياء، ويظهرون المهر الكثير رياء، وأيضا فان نساء العشيرة يتضررن بذلك لأنه ربما وقعت الحاجة إلى إيجاب مهر المثل لبعضهن، فيعتبرون ذلك بهذا المهر القليل، فلا جرم للأولياء أن يمنعوها عن ذلك، وينوبوا عن نساء العشيرة، ثم أنه تعالى لما بين حكمة التكليف قرنه بالتهديد، فقال (ذلك يوعظ به