أما القسم الأول: وهو أن يكون هذا الخوف حاصلا من قبل المرأة، وذلك بأن تكون المرأة ناشزة مبغضة للزوج، فههنا يحل للزوج أخذ المال منها والدليل عليه ما رويناه من حديث جميلة مع ثابت، لأنها أظهرت البغض فجوز رسول الله صلى الله عليه وسلم لها الخلع ولثابت الأخذ.
فإن قيل: فقد شرط تعالى في هذه الآية خوفهما معا، فكيف قلتم: إنه يكفي حصول الخوف منها فقط.
قلنا: سبب هذا الخوف وإن كان أوله من جهة المرأة إلا أنه قد يترتب عليه الخوف الحاصل من قبل الزوج، لأن المرأة تخاف على نفسها من عصيان الله في أمر الزوج، وهو يخاف أنها إذا لم تطعه فإنه يضربها ويشتمها، وربما زاد على قدر الواجب فكان الخوف حاصلا لهما جميعا، فقد يكون ذلك السبب منها لأمر يتعلق بالزوج، ويجوز أن تكره المرأة مصاحبة ذلك الزوج لفقره أو لقبح وجهه، أو لمرض منفر منه، وعلى هذا التقدير تكون المرأة خائفة من معصية الله في أن لا تطيع الزوج، ويكون الزوج خائفا من معصية الله تعالى من أن يقع منه تقصير في بعض حقوقها.
القسم الثاني: أن يكون الخوف من قبل الزوج فقط، بأن يضربها ويؤذيها، حتى تلتزم الفدية فهذا المال حرام بدليل أول هذه الآية، وبدليل سائر الآيات، كقوله: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا) * إلى قوله: * (أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) * (النساء: 19، 20) وهذا مبالغة عظيمة في تحريم أخذ ذلك المال.
القسم الثالث: أن لا يكون هذا الخوف حاصلا من قبل الزوج، ولا من قبل الزوجة، وقد ذكرنا أن قول أكثر المجتهدين: أن هذا الخلع جائز، والمال المأخوذ حلال، وقال قوم إنه حرام.
القسم الرابع: أن يكون الخوف حاصلا من قبلهما معا، فهذا المال حرام أيضا، لأن الآيات التي تلوناها تدل على حرمة أخذ ذلك المال إذا كان السبب حاصلا من قبل الزوج، وليس فيه تقييد بقيد أن يكون من جانب المرأة سبب لذلك أم لا ولأن الله تعالى أفرد لهذا القسم آية أخرى وهو قوله تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * الآية، ولم يذكر فيه تعالى حل أخذ المال، فهذا شرح هذه الأقسام الأربعة، واعلم أن هذا الذي قلناه من هذه الأقسام إنما هو فيما بين المكلفين وبين الله تعالى، فأما في الظاهر فهو جائز هذا هو قول الفقهاء.
المسألة الخامسة: قرأ حمزة: * (إلا أن يخافا) * بضم الياء والباقون بفتحها، قال صاحب " الكشاف " وجه قراءة حمزة إبدال أن لا يقيما من ألف الضمير، وهو من بدل الاشتمال، كقولك: خيف زيد