الأول أن يتراجعا بنكاح جديد، فذكر لفظ النكاح بلفظ التراجع، لأن الزوجية كانت حاصلة بينهما قبل ذلك، فإذا تناكحا فقد تراجعا إلى ما كانا عليه من النكاح، فهذا تراجع لغوي، بقي في الآية مسألتان:
المسألة الأولى: ظاهر الآية يقتضي أن عندما يطلقها الزوج الثاني تحل المراجعة للزوج الأول، إلا أنه مخصوص بقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * (البقرة: 228) لأن المقصود من العدة استبراء الرحم، وهذا المعنى حاصل ههنا، وهذا هو الذي عول عليه سعيد بن المسيب في أن التحليل يحصل بمجرد العقد، لأن الوطء لو كان معتبرا لكانت العدة واجبة، وهذه الآية تدل على سقوط العدة، لأن الفاء في قوله: * (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) * تدل على أن حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني إلا أن الجواب ما قدمنا.
المسألة الثانية: قال الخليل والكسائي: موضع * (أن يتراجعا) * خفض بإضمار الخافض، تقديره: في أن يتراجعا، وقال الفراء: موضعه نصب بنزع الخافض.
أما قوله تعالى: * (إن ظنا أن يقيما حدود الله) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال كثير من المفسرين * (إن ظنا) * أي إن علما وأيقنا أنهما يقيمان حدود الله، وهذا القول ضعيف من وجوه أحدها: أنك لا تقول: علمت أن يقوم زيد ولكن علمت أنه يقوم زيد والثاني: أن الإنسان لا يعلم ما في القدر وإنما يظنه والثالث: أنه بمنزلة قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) * (البقرة: 228) فإن المعتبر هناك الظن فكذا ههنا، وإذا بطل هذا القول فالمراد منه نفس الظن، أي متى حصل هذا الظن، وحصل لهما العزم على إقامة حدود الله، حسنت هذه المراجعة ومتى لم يحصل هذا الظن وخافا عند المراجعة من نشوز منها أو إضرار منه فالمراجعة تحرم. المسألة الثانية: كلمة * (إن) * في اللغة للشرط والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط فظاهر الآية يقتضي أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة، لكنه ليس الأمر كذلك، فإن جواز المراجعة ثابت سواء حصل هذا الظن أو لم يحصل إلا أنا نقول: ليس المراد أن هذا شرط لصحة المراجعة: بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى، وقصد الإقامة لحدود الله وأوامره، ثم قال بعد ذلك: * (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (وتلك حدود الله) * إشارة إلى ما بينها من التكاليف، وقوله: * (يبينها) *