ثم إن أبرهة توج محمد بن خزاعي، وأمره على مضر، أن يسير في الناس، يدعوهم إلى حج القليس، كنيسته التي بناها، فسار محمد بن خزاعي، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، وما جاء له، بعثوا إليه رجلا من هذيل يقال له عروة بن حياض الملاصي، فرماه بسهم فقتله وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس بن خزاعي، فهرب حين قتل أخوه، فلحق بأبرهة فأخبره بقتله، فزاد ذلك أبرهة غضبا وحنقا، وحلف ليغزون بني كنانة، وليهدمن البيت.
ثم إن أبرهة حين أجمع السير إلى البيت، أمر الحبشان فتهيأت وتجهزت، وخرج معه بالفيل، وسمعت العرب بذلك، فأعظموه، وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام، فخرج رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب، إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، وعرض له، وقاتله، فهزم وتفرق أصحابه، وأخذ له ذو نفر أسيرا فلما أراد قتله، قال ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق. وكان أبرهة رجلا حليما.
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم، عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم: شهران، وناهس، ومن معه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له أسيرا، فأتي به فلما هم بقتله، قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران، وناهس، بالسمع والطاعة فأعفاه وخلى سبيله، وخرج به معه، يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف، خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف، فقال: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد يعنون اللات إنما تريد البيت الذي بمكة يعنون الكعبة ونحن نبعث معك من يدلك، فتجاوز عنهم، وبعثوا معهم أبا رغال فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس، فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي ترجم الناس بالمغمس.