الشعوب التي تسكن هذه المنطقة، وتتفاعل مع هذا التأريخ، وهذا لا يعني أن القرآن تختص هدايته بهذه الشعوب، بل إن أحد أغراض القرآن هو ايجاد التغيير في هذه الشعوب كقاعدة ينطلق منها التغيير ويستند إليها في مسيرته إلى بقية الشعوب كما حصل ذلك فعلا.
صحيح أنه قد تكون القصة المنتزعة من تأريخ النبوات التي كانت في الهند أو الصين - على فرض وجودها في تلك المناطق وهو فرض منطقي ومقبول جدا - مؤثرة في الشعب الهندي أو الصيني، إلا أن القرآن الكريم كان مهتما بشكل خاص وفي مرحلة نزوله بتغيير القاعدة التي تتمثل بالشعب العربي والشعوب المتفاعلة معه فعلا في ذلك الوقت، وضرب الأمثال وسرد القصص عن هذه الأمم، مع أنها لم تكن موجودة في المحيط الذي نزل فيه القرآن، يبعد القصة بأكملها عن الواقعية التي كان يحرص القرآن الكريم على تأكيدها في قصصه، ولم يكن يكتفي منها انها مجرد أمثال وتصورات، بل كان يؤكد صدقها.
وبلحاظ أن التغيير العام للانسان الذي كان يستهدفه القرآن أيضا، أريد له أن يطلق من تلك القاعدة، وهذه القصص هي التي يمكن أن تساهم في تحقيقه. وتبقى النتائج العامة المشتركة بين الأنبياء ذات تأثير عام بالنسبة إلى مختلف الشعوب، فقصة النبي الواحد لها تأثير خاص يرتبط بالوسط الذي تواجد فيه ذلك النبي، باعتبارها حالة التجسيد المعاش في ذلك الوسط، وذات التأثير الشعوري والوجداني بالنسبة إلى ذلك الوسط، وفي الوقت نفسه يكون للقصة تأثير عام ضمن المفاهيم العامة والسنن التأريخية التي توحي بها القصة، والعبر التي يمكن أن تستلخص منها، وهذا ما يمكن أن تستفيد منه كل الشعوب.
وبذلك يتحقق للقرآن الكريم بعده العام الشامل ويبقى حيا ومؤثرا في هذا الوسط وغيره من الأوساط الانسانية.