وملاحظة ما عدا الآية الأولى من الآيات التي جاءت فيها كلمة التأويل تدل على أنها كانت تستعمل في القرآن الكريم بمعنى آخر غير التفسير، ولا نملك دليلا على أنها استعملت بمعنى التفسير في مورد ما من القرآن.
والمعنى الذي يناسب تلك الآيات هو ان يكون المراد بتأويل الشئ هو ما يؤول وينتهي إليه في الخارج والحقيقة، كما تدل عليه مادة الكلمة نفسها، ولهذا أضيف التأويل إلى الرد إلى الله والرسول تارة، والى الكتاب أخرى، والى الرؤيا، والى الوزن بالقسطاس المستقيم.
وهذا نفسه هو المراد - كما عرفنا سابقا - من كلمة التأويل في الآية الأولى التي أضيف فيها التأويل إلى الآيات المتشابهة في قوله تعالى: ﴿.... فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...﴾ (1)، فتأويل الآيات المتشابهة ليس بمعنى بيان مدلولها وتفسير معانيها اللغوية، بل هو ما تؤول إليه تلك المعاني، لان كل معنى عام حين يريد العقل ان يحدده ويجسده ويصوره في صورة معينة، فهذه الصورة المعينة هي تأويل ذلك المعنى العام.
وعلى هذا الأساس يكون معنى التأويل في هذه الآية هو ما أطلقنا عليه اسم تفسير المعنى، لان الذين في قلوبهم زيغ كانوا يحاولون أن يحددوا صورة معينة لمفاهيم الآيات المتشابهة إثارة للفتنة، لان كثيرا من الآيات المتشابهة تتعلق معانيها بعوالم الغيب، فتكون محاولة تحديد تلك المعاني وتجسيدها في صورة ذهنية خاصة - مادية أو منسجمة مع هوى ورأي المؤول - عرضة للخطر وللفتنة.
ونستخلص من ذلك أمرين:
أحدهما: التأويل جاء في القرآن بمعنى ما يؤول إليه الشئ لا بمعنى التفسير، وقد استخدم بهذا المعنى للدلالة على تفسير المعنى لا تفسير اللفظ، اي على تجسيد