من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون.
ولو أمعنا النظر في الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية للاحظنا أن المقصود من قوله: من دونه هي الأصنام لا غير، وذلك يصدق على مجموعة الأحجار والأخشاب وغيرها والتي كانت في نظر مشركي الجاهلية بأنها ذات قدرة إزاء قدرة الخالق الكريم جل وعلا، كما أن الأنبياء والأولياء وحتى الشهداء في سبيل الله أحياء في البرزخ، وحياة البرزخ - كما هو معلوم - مجردة من الحجب المادية ومتعلقات الدنيا مما يجعلها أوسع منها. يضاف إلى ذلك فإن التوسل بالأرواح الطاهرة للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لا يعني إقرارنا لهم بالاستقلالية إزاء الخالق الكريم، بل إننا إنما نطلب العون والمدد من مقامهم وجاههم في حضرة البارئ العزيز، وهذا هو عين التوحيد (تأملوا جيدا).
وقد صرح القرآن الكريم بأن الشفيع إنما يشفع بإذن الله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه فمن يستطيع إنكار مثل هذه الآيات الصريحة غير الجهلة المغرورين الذين هتفوا بمثل هذه الادعاءات لزرع الفرقة بين المسلمين؟!
وفي كثير من الحالات نقرأ في سيرة الصحابة أنهم حينما تحيق بهم المشكلات يأتون إلى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) ويتوسلون إليه، ويطلبون العون من الله عز وجل بشفاعة روحه الطاهرة.
مثالنا على ذلك ما ذكره " البيهقي " من محدثي العامة، قال: في زمن الخليفة الثاني مر في الناس قحط وجدب، مما حدا ببلال وعدد من الصحابة إلى الذهاب لقبر رسول الله وقالوا عنده: " يا رسول الله، استق لامتك... فإنهم قد هلكوا " (1).
كما نقل " الآلوسي " في (روح المعاني) الكثير من الأحاديث في هذا الصدد، وبعد المناقشة لهذه الأحاديث يخرج بالقول: إنني لا أرى مانعا من التضرع لله