وبملاحظة كل ما بيناه آنفا، تتضح العلاقة بين الإسراف والفساد بجلاء...
يقول العلامة الطباطبائي في الميزان: " إن الكون على ما بين أجزائه من التضاد والتزاحم، مؤلف تأليفا خاصا يتلائم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار... فالكون يسير بالنظام الجاري فيه إلى غايات صالحة مقصودة، وهو بما بين أجزائه من الارتباط التام يخط لكل من أجزائه سبيلا خاصا يسير فيها بأعمال خاصة، من غير أن يميل عن حاق وسطها إلى يمين أو يسار أو ينحرف بإفراط أو تفريط، فإن في الميل والانحراف إفسادا للنظام المرسوم ويتبعه إفساد غايته وغاية الكل... ومن الضروري أن خروج بعض الأجزاء عن خطه المخطوط له، وإفساد النظم المفروض له ولغيره، يستعقب منازعة بقية الأجزاء له، فإن استطاعت أن تقيمه وترده إلى وسط الاعتدال فهو وإلا أفنته وعفت آثاره، حفظا لصلاح الكون واستبقاء لقوامه والإنسان الذي هو أحد أجزاء الكون غير مستثنى من هذه الكلية، فإن جرى على ما يهديه إليه الفطرة فاز بالسعادة المقدرة له، وإن تعدى حدود فطرته وأفسد في الأرض، أخذه الله سبحانه بالسنين والمثلات وأنواع النكال والنقمة، لعله يرجع إلى الصلاح والسداد، قال الله تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. (1) وإن أقاموا مع ذلك على الفساد - لرسوخه في نفوسهم - أخذهم الله بعذاب الاستئصال وطهر الأرض من قذارة فسادهم قال الله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (2) (3) ومن هنا يتضح بجلاء، لم ذكر الله سبحانه في الآيات المتقدمة الإسراف