هذا التعبير عادة بالنسبة إلى الأشخاص المهوسين من شدة الحسرة والأسف، كما في المثل العربي، لأن الإنسان في مثل هذه الحالات لا يعض الإصبع دائما، بل يعض ظاهر اليد أحيانا، وكثيرا ما يقال - كما في الآية الآية مورد البحث - " يديه " يعني كلتا اليدين حيث تبين شدة الأسف والحسرة بنحو أبلغ.
وهذا العمل يصدر من هؤلاء الأشخاص حينما يطلعون على ماضيهم، ويعتبرون أنفسهم مقصرين، فيصممون على الانتقام من أنفسهم بهذا الشكل لتهدئة سورة الغضب في نفوسهم والشعور بالراحة.
وينبغي حقا، أن يسمى ذلك اليوم يوم الحسرة كما ورد هذا الوصف بالذات في القرآن ليوم القيامة أيضا (سورة مريم الآية 39)، ذلك لأن المجرمين يرون أنفسهم في أتعس حال بين يدي الحياة الخالدة، في الوقت الذي كانوا يستطيعون خلال أيام من الصبر والاستقامة ومجاهدة النفس والإيثار أن يستبدلوا ذلك بحياة مشرفة وسعيدة، وهو يوم أسف أيضا حتى بالنسبة إلى المحسنين، فهم يأسفون على أنهم: لماذا لم يحسنوا أكثر.
ثم يضيف القرآن الكريم أن هذا الظالم المعتدي الغارق في عالم الأسف، يقول: يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. (1) واضح أن المقصود ب " فلان " هو ذلك الذي أضله: الشيطان أو صديق السوء أو القريب الضال، وفرد مثل " أبي " ل " عقبة " الذي ورد في سبب النزول.
هذه الآية - والآية التي قبلها - تعرضان حالتي نفي وإثبات متقابلتين في مكان واحد، يقول تعالى: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، وهنا يقول:
... ليتني لم أتخذ فلانا خليلا حيث كانت التعاسة كلها في ترك الارتباط بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقبول الارتباط بهذا الخليل الضال.