لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا.
إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يدعوكم للاجتماع، فإنه لابد من أن يكون لمسألة إلهية مهمة، لهذا يجب عليكم الاهتمام بدعوته، والالتزام بتعاليمه، وألا تهملوها، فأمره من الله ودعوته منه سبحانه وتعالى.
ثم تضيف الآية قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
" يتسللون " مشتقة من " تسلل "، وتعني سحب الشئ من موضعه، كأن يقال:
سل السيف من غمده. كما يطلق على الذين يفرون سرا من مكان تجمع محدد لهم، كلمة " متسللون ".
" لواذا " مشتقة من " ملاوذة " بمعنى الاختفاء، وتعني هنا اختفاء البعض وراء البعض أو خلف جدار، أو بتعبير آخر: استغفال الآخرين ثم الفرار من مكان تجمعهم، وهذا ما كان يقوم به المنافقون حينما يوجه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعوة للجهاد أو لأمر مهم آخر، يقول لهم القرآن المجيد: " إن عملكم النفاقي هذا إن خفي على الناس فإنه لا يخفى على الله، وسيعاقبكم على هذه الأعمال ومخالفتكم لأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة ".
ماذا يقصد به " فتنة " هنا؟ قال بعض المفسرين: إنها القتل، وآخرون قالوا: إنها تعني الضلال، كما قال بعضهم: إنها السلطان الظالم، وقيل: إنها بلاء النفاق الذي يتوغل في قلب الإنسان.
كما يحتمل أن تعني الفتنة الفتن الاجتماعية ومشاكلها، وأن يسود الهرج والمرج في المجتمع، وابتلائه بالهزيمة، وسائر الفتن الأخرى التي يبتلى بها المجتمع في حالة عصيانه أوامر قائده.
وعلى كل حال فالفتنة ذات مفهوم واسع يضم جميع هذه الأمور وغيرها، مثلما يضم العذاب الأليم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة أو كليهما.