ذرة شرا يره ولكل عمل عكس عمل في قانونها لكنها تعد القتل في مورد القتل ظلما وتنقض حكم نفسها.
على أن الاسلام لا يرى في الدنيا قيمة للانسان يقوم بها ولا وزنا يوزن به إلا إذا كان على دين التوحيد فوزن الاجتماع الانساني ووزن الموحد الواحد عنده سيان، فمن الواجب أن يكون حكمهما عنده واحدا، فمن قتل مؤمنا كان كمن قتل الناس جميعا من نظر إزرائه وهتكه لشرف الحقيقة كما أن من قتل نفسا كان كمن قتل الناس جميعا من نظر الطبيعة الوجودية، وأما الملل المتمدنة فلا يبالون بالدين ولو كانت شرافة الدين عندهم تعادل في قيمتها أو وزنها - فضلا عن التفوق - الاجتماع المدني في الفضل لحكموا فيه بما حكموا في ذلك.
على أن الاسلام يشرع للدنيا لا لقوم خاص وأمة معينة، والملل الراقية إنما حكمت بما حكمت بعد ما أذعنت بتمام التربية في أفرادها وحسن صنيع حكوماتها ودلالة الاحصاء في مورد الجنايات والفجائع على أن التربية الموجودة مؤثرة وأن الأمة في أثر تربيتهم متنفرة عن القتل والفجيعة فلا تتفق بينهم إلا في الشذوذ وإذا اتفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل، والاسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية وأثرها الذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على ساق.
ويلوح إليه قوله تعالى: في آية القصاص فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، فاللسان لسان التربية وإذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأن الفخر العمومي في العفو لم ينحرفوا عنه إلى مسلك الانتقام.
وأما غير هؤلاء الأمم فالامر فيها على خلاف ذلك والدليل عليه ما نشاهده من حال الناس وأرباب الفجيعة والفساد فلا يخوفهم حبس ولا عمل شاق ولا بصدهم وعظ ونصح، وما لهم من همة ولا ثبات على حق إنساني، والحياة المعدة لهم في السجون أرفق وأعلى وأسنى مما لهم في أنفسهم من المعيشة الردية الشقية فلا يوحشهم لوم ولا ذم، ولا يدهشهم سجن ولا ضرب، وما نشاهده أيضا من ازدياد عدد الفجائع في الاحصاءات يوما فيوما فالحكم العام الشامل للفريقين - والأغلب منهما الثاني - لا يكون إلا القصاص وجواز العفو فلو رقت الأمة وربيت تربية ناجحة أخذت بالعفو (والاسلام لا يألو جهده في التربية) ولو لم يسلك إلا الانحطاط أو كفرت بأنعم ربها