التعظيم، والطواف يراد به تفدية النفس، والقيام يراد به التكبير، والوضوء والغسل يراد بهما الطهارة للحضور ونحو ذلك. ولا شك أن التوجه إلى المعبود، واستقباله من العبد في عبوديته روح عبادته، التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة، وإلى تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها واستقرار تحققها.
وقد كان الوثنيون، وعبدة الكواكب وسائر الأجسام من الانسان وغيره ستقبلون معبوداتهم وآلهتهم، ويتوجهون إليهم بالأبدان في أمكنة متقاربة.
لكن دين الأنبياء ونخص بالذكر من بينها دين الاسلام الذي يصدقها جميعا وضع الكعبة قبلة، وأمر باستقبالها في الصلاة، التي لا يعذر فيها مسلم، أينما كان من أقطار الأرض وآفاقها، ونهي عن استقبالها واستدبارها في حالات وندب إلى ذلك في أخرى فاحتفظ على قلب الانسان بالتوجه إلى بيت الله، وأن لا ينسى ربه في خلوته وجلوته، وقيامه وقعوده، ومنامه ويقظته، ونسكه وعبادته حتى في أخس حالاته وأرداها فهذا بالنظر إلى الفرد.
وأما بالنظر إلى الاجتماع، فالامر أعجب والأثر أجلى وأوقع فقد جمع الناس على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم على التوجه إلى نقطة واحدة، يمثل بذلك وحدتهم الفكرية وارتباط جامعتهم، والتيام قلوبهم، وهذا ألطف روح يمكن أن تنفذ في جميع شؤون الافراد في حيويتها المادية والمعنوية تعطي من الاجتماع أرقاه، ومن الوحدة أوفاها وأقواها، خص الله تعالى بها عباده المسلمين، وحفظ به وحدة دينهم، وشوكة جمعهم، حتى بعد أن تحزبوا أحزابا، وافترقوا مذاهب وطرائق قددا، لا يجتمع منهم اثنان على رأي، نشكر الله تعالى على آلائه.