وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله ألا صنع بخلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين الحديث.
أقول: والحديثان يشيران إلى المرتبة الثالثة من الاسلام والايمان.
وفي البحار عن إرشاد الديلمي - وذكر سندين لهذا الحديث، وهو من أحاديث المعراج - وفيه: قال الله سبحانه: يا أحمد هل تدري أي عيش أهني وأي حياة أبقي؟ قال: اللهم لا، قال: أما العيش الهنئ فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري ولا ينسى نعمتي، ولا يجهل حقي، يطلب رضائي في ليله ونهاره، وأما الحياة الباقية، فهي التي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا، وتصغر في عينه، وتعظم الآخرة عنده، ويؤثر هواي على هواه ويبتغي مرضاتي، ويعظم حق نعمتي، ويذكر عملي به، ويراقبني بالليل والنهار عند كل سيئة أو معصية، وينقي قلبه عن كل ما أكره، ويبغض الشيطان ووساوسه، ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى أجعل قلبه وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقي وأفتح عين قلبه وسمعه، حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي، و أضيق عليه الدنيا، وابغض إليه ما فيها من اللذات، واحذره من الدنيا وما فيها كما يحذر الراعي على غنمه مراتع الهلكة، فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا، وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن، يا أحمد ولأزيننه بالهيبة والعظمة فهذا هو العيش الهنئ والحياة الباقية، وهذا مقام الراضين فمن عمل برضاي ألزمه ثلاث خصال اعرفه شكرا لا يخالطه الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين، فإذا أحبني أحببته وأفتح عين قلبه إلى جلالي، ولا أخفى عليه خاصة خلقي وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار، حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين، ومجالسته معهم، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي واعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء، حتى يستحيي منه الخلق كلهم، ويمشي على الأرض مغفورا له، واجعل قلبه واعيا وبصيرا ولا أخفي عليه شيئا من جنة ولا نار، وأعرفه ما يمر على الناس في القيمة من الهول والشدة وما أحاسب به الأغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وأنومه في قبره، وأنزل عليه منكرا