أنبياؤكم، إبراهيم، فمن دونه، وما كان صاحب هذه الملة وهو إبراهيم من المشركين ولو كان في ملته هذه الانشعابات، وهي الضمائم التي ضمها إليها المبتدعون، من الاختلافات لكان مشركا بذلك، فإن ما ليس من دين الله لا يدعو إلى الله سبحانه، بل إلى غيره وهو الشرك، فهذا دين التوحيد الذي لا يشتمل على ما ليس من عند الله تعالى.
قوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا، لما حكى ما يأمره به اليهود والنصارى من اتباع مذهبهم، ذكر ما هو عنده من الحق (والحق يقول) وهو الشهادة على الايمان بالله والايمان بما عند الأنبياء، من غير فرق بينهم، وهو الاسلام وخص الايمان بالله بالذكر وقدمه وأخرجه من بين ما انزل على الأنبياء لان الايمان الله فطري، لا يحتاج إلى بينة النبوة، ودليل الرسالة.
ثم ذكر سبحانه ما انزل إلينا وهو القرآن أو المعارف القرآنية وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ثم ذكر ما أوتي موسى وعيسى وخصهما بالذكر لان المخاطبة مع اليهود والنصارى وهم يدعون إليهما فقط ثم ذكر ما أوتي النبيون من ربهم، ليشمل الشهادة جميع الأنبياء فيستقيم قوله بعد ذلك: لا نفرق بين أحد منهم.
واختلاف التعبير في الكلام، حيث عبر عما عندنا وعند إبراهيم وإسحاق ويعقوب بالانزال وعما عند موسى وعيسى والنبيين بالايتاء وهو الاعطاء، لعل الوجه فيه أن الأصل في التعبير هو الايتاء، كما قال تعالى بعد ذكر إبراهيم، ومن بعده ومن قبله من الأنبياء في سورة الأنعام: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) الانعام - 89، لكن لفظ الايتاء ليس بصريح في الوحي والانزال كما قال تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة) لقمان - 12، وقال: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة) الجاثية - 16، ولما كان كل من اليهود والنصارى يعدون إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط من أهل ملتهم، فاليهود من اليهود، والنصارى من النصارى، واعتقادهم أن الملة الحق من النصرانية، أو اليهودية، هي ما أوتيه موسى وعيسى، فلو كان قيل: وما أوتي إبراهيم وإسماعيل