الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم) الزمر - 54، إلى آخر الآيات فهو وإن كان نهيا عن القنوط من الرحمة التشريعية بقرينة قوله تعالى أسرفوا على أنفسهم الظاهر في كون القنوط في الآية قنوطا من جهة المعصية، وقد عمم سبحانه المغفرة للذنوب جميعا من غير استثناء، ولكنه تعالى ذيله بالامر بالتوبة والاسلام والعمل بالاتباع فدلت الآية على أن العبد المسرف على نفسه لا ينبغي له أن يقنط من روح الله ما دام يمكنه إختبار التوبة والاسلام والعمل الصالح.
وبالجملة فهذه رحمة مقيدة أمر الله تعالى عباده بالتعلق بها، وليس رجاء الرحمة المقيدة كرجاء الرحمة العامة والاعطاء، والارضاء المطلقين الذين وعدهما الله لرسوله الذي جعله رحمة للعالمين ذلك الوعد يطيب نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى:
(ولسوف يعطيك ربك فترضي الآية.
توضيح ذلك: إن الآية في مقام الامتنان وفيها وعد يختص به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعد الله سبحانه بمثله أحدا من خلقة قط، ولم يقيد الاعطاء بشئ فهو إعطاء مطلق وقد وعد الله ما يشابه ذلك فريقا من عباده في الجنة فقال تعالى: (لهم فيها ما يشاؤون عند ربهم) الشورى - 22، وقال تعالى: (لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد) ق - 35، فأفاد أن لهم هناك ما هو فوق مشيتهم، والمشية تتعلق بكل ما يخطر ببال الانسان من السعادة والخير، فهناك ما لا يخطر على قلب بشر كما قال تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) السجدة - 17، فإذا كان هذا قدر ما أعطاه الله على عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهو أمر فوق القدر كما عرفت ذلك فما يعطيه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في مقام الامتنان أوسع من ذلك وأعظم فافهم.
فهذا شأن إعطائه تعالى، وأما شأن رضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن المعلوم أن هذا الرضا ليس هو الرضا بما قسم الله، الذي هو زميل لأمر الله. فإن الله هو المالك الغني على الاطلاق وليس للعبد إلا الفقر والحاجة فينبغي أن يرضي بقليل ما يعطيه ربه وكثيره وينبغي أن يرضى بما قضاه الله في حقه، سره ذلك أو ساءه، فإذا كان هذا هكذا فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلم وأعمل، لا يريد إلا ما يريده الله في حقه، لكن هذا