الفاحشة ما تزايد قبحه وتفاحش، وذلك قد يكون بين امرأتين فيكون مساحقة وقد يكون بين ذكرين فيكون لواطا، وقد يكون بين ذكر وأنثى فيكون زنى، ولا ظهور للفظ الفاحشة في خصوص الزنا لا وضعا ولا انصرافا، ثم إن الالتزام بالنسخ في الآية الأولى يتوقف.
أولا: على أن الامساك في البيوت حد لارتكاب الفاحشة.
ثانيا: على أن يكون المراد من جعل السبيل هو ثبوت الرجم والجلد وكلا هذين الامرين لا يمكن إثباته، فإن الظاهر من الآية المباركة أن إمساك المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها عن ارتكاب الفاحشة مرة ثانية، وهذا من قبيل دفع المنكر، وقد ثبت وجوبه بلا إشكال في الأمور المهمة كالاعراض، والنفوس، والأمور الخطيرة، بل في مطلق المنكرات على قول بعض، كما أن الظاهر من جعل السبيل للمرأة التي ارتكبت الفاحشة هو جعل طريق لها تتخلص به من العذاب، فكيف يكون منه الجلد والرجم، وهل ترضى المرأة العاقلة الممسكة في البيت مرفهة الحال أن ترجم وتجلد، وكيف يكون الجلد أو الرجم سبيلا لها وإذا كان ذلك سبيلا لها فما هو السبيل عليها؟!.
وعلى ما تقدم: فقد يكون المراد من الفاحشة خصوص المساحقة، كما أن المراد بها في الآية الثانية خصوص اللواط، " وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى "، وقد يكون المراد منها ما هو أعم من المساحقة والزنا، وعلى كلا هذين الاحتمالين يكون الحكم وجوب إمساك المرأة التي ارتكبت الفاحشة في البيت حتى يفرج الله عنها، فيجيز لها الخروج إما للتوبة الصادقة التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة مرة ثانية، وإما لسقوط المرأة عن قابلية ارتكاب الفاحشة لكبر سنها ونحوه، وإما بميلها إلى الزواج وتزوجها برجل يتحفظ عليها، وإما بغير ذلك من الأسباب التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة. وهذا الحكم باق مستمر، وأما الجلد أو الرجم فهو حكم آخر شرع لتأديب مرتكبي الفاحشة، وهو أجنبي عن الحكم الأول، فلا معنى لكونه ناسخا له.