لقد تحدى القرآن جميع البشر، وطالبهم أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطع أحد أن يقوم بمعارضته، ولما كبر على المعاندين أن يستظهر القرآن على خصومه، راموا أن يحطوا من كرامته بأوهام نسجتها الأخيلة حول عظمة القرآن، تأييدا لمذاهبهم الفاسدة. ومن الحسن أن نتعرض لهذه الأوهام التي أتعبوا بها أنفسهم ليتبين مبلغهم من العلم، وأن الأهواء كيف تذهب بهم يمينا وشمالا فترديهم في مهوى سحيق. قالوا:
1 - إن في القرآن أمورا تنافى البلاغة لأنها تخالف القواعد العربية، ومثل هذا لا يكون معجزا.
وهذا القول باطل من وجهين:
الأول: إن القرآن نزل بين بلغاء العرب وفصحائها، وقد تحداهم إلى معارضته، ولو بالاتيان بسورة واحدة، وذكر أن الخلق لا يقدرون على ذلك، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، فلو كان في القرآن ما يخالف كلام العرب فإن هؤلاء البلغاء العارفين بأساليب اللغة ومزاياها لاخذوه حجة عليه، ولعابوه بذلك، واستراحوا به عن معارضته باللسان أو السنان، ولو وقع شئ من ذلك لاحتفظ به التاريخ، ولتواتر نقله بين أعداء الاسلام، كيف ولم ينقل ذلك ولا بخبر واحد؟.