الكلام كثيرة، وأتى في جميع ذلك بما يعجز عنه غيره، وهذا ممتنع على البشر في العادة.
القرآن معجزة خالدة:
قد عرفت أن طريق التصديق بالنبوة والايمان بها، ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهدا لدعواه، ولما كانت نبوءات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم، كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد، ومحدودة، لأنها شواهد على نبوءات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الأزمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، والبعض الاخر تنقل إليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر، فتقوم عليه الحجة أيضا.
أما الشريعة الخالدة، فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضا، لان المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة، فإذا كلفه الله بالايمان بها كان من التكليف بالممتنع، والتكليف بالممتنع مستحيل على الله تعالى، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة. وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهانا على صدق الرسالة الخالدة، وليكون حجة على الخلف كما كان حجة على السلف. وقد نتج لنا عما قدمناه أمران:
الأول: تفوق القرآن على جميع المعجزات التي ثبتت للأنبياء السابقين، وعلى المعجزات الأخرى التي ثبتت لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لكون القرآن باقيا خالدا، وكون إعجازه مستمرا يسمع الأجيال ويحتج على القرون.
الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها، لانقطاع زمان المعجزة التي شهدت بصدقها (1).