الاعراب " إياك ": في كلا الموردين مفعول قدم على الفعل لإفادة الحصر، وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب. والسر في ذلك أحد أمرين:
الأول: أن سابق هذه الآية الكريمة قد دل على أن الله سبحانه هو المالك لجميع الموجودات، والمربي لها والقائم بشؤونها، وهذا يقتضي أن تكون الأشياء كلها حاضرة لديه تعالى، وأن يكون - سبحانه - محيطا بالعباد وبأعمالهم ليجازيهم يوم الدين بالطاعة أو بالمعصية، واقتضى ذلك أن يظهر العبد حضوره بين يدي ربه ويخاطبه.
الثاني: ان حقيقة العبادة خضوع العبد لربه بما أنه ربه والقائم بأمره والربوبية تقتضي حضور الرب لتربية مربوبه، وتدبير شؤونه. وكذلك الحال في الاستعانة فإن حاجة الانسان إلى إعانة ربه وعدم استقلاله عنه في عبادته تقتضي حضور المعبود لتتحقق منه الإعانة، فلهذين الامرين عدل السياق من الغيبة إلى الخطاب فالعبد حاضر بين يدي ربه غير غائب عنه.
التفسير بعد أن مجد الله نفسه بالآيات المتقدمة لقن عباده أن يتلوا هذه الآية الكريمة وأن يعترفوا بمدلولها وبمغزاها، فهم لا يعبدون إلا الله، ولا يستعينون إلا به، فإن ما سوى الله من الموجودات فقير في ذاته، عاجز في نفسه، بل هو لا شئ بحت، إلا أن تشمله العناية الإلهية، ومن هذا شأنه لا يستحق أن يعبد أو يستعان، والممكنات كلها - وان اختلفت مراتبها بالكمال والنقص - تشترك في صفة العجز اللازمة للامكان، وفي ان جميعها تحت حكم الله وإرادته: