الاختيار، والقول بالنسخ أو بالتخصيص يتوقف على أن الاكراه في الآية قد استعمل بالمعنى الأول، وهو باطل لوجوه:
1 - إنه لا دليل على ذلك: ولا بد في حمل اللفظ المشترك على أحد معنييه من وجود قرينة تدل عليه.
2 - إن الدين أعم من الأصول والفروع، وذكر الكفر والايمان بعد ذلك ليس فيه دلالة على الاختصاص بالأصول فقط، وإنما ذلك من قبيل تطبيق الكبرى على صغراها، ومما لا ريب فيه أن الاكراه بحق كان ثابتا في الشرع الاسلامي من أول الأمر على طبق السيرة العقلائية، وأمثلته كثيرة، فمنها إكراه المديون على أداء دينه، وإكراه الزوجة على إطاعة زوجها، وإكراه السارق على ترك السرقة، إلى أمثال ذلك، فكيف يصح أن يقال: إن الاكراه في الشريعة الاسلامية لم يكن في زمان.
3 - إن تفسير الاكراه في الآية بالمعنى الأول " ما يقابل الرضا " لا يناسبه قوله تعالى:
" قد تبين الرشد من الغي 2: 256 ".
الا بأن يكون المراد بيان علة الحكم، وان عدم الاكراه إنما هو لعدم الحاجة إليه من جهة وضوح الرشد وتبينه من الغي، وإذا كان هذا هو المراد فلا يمكن نسخه، فإن دين الاسلام كان واضح الحجة، ساطع البرهان من أول الأمر، إلا أن ظهوره كان يشتد شيئا فشيئا، ومعنى هذا أن الاكراه في أواخر دعوة النبي صلى الله عليه وآله أحرى بأن لا يقع لان برهان الاسلام في ذلك العهد كان أسطع، وحجته أوضح، ولما كانت هذه العلة مشتركة بين طوائف الكفار، فلا يمكن تخصيص الحكم ببعض الطوائف دون بعض، ولازم ذلك حرمة مقاتلة الكفار جميعهم، وهذه نتيجة باطلة بالضرورة.