كان أول من جمع القرآن بعد خلافته؟ وإذا سلمنا ذلك فلماذا أمر زيدا وعمر بجمعه من اللخاف، والعسب، وصدور الرجال، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ وأبي، وقد كانوا عند الجمع أحياء، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم، ومن سالم؟
نعم إن سالما قد قتل في حرب اليمامة، فلم يمكن الاخذ منه. على أن زيدا نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية، فلا حاجة إلى التفحص والسؤال من غيره، بعد أن كان شابا عاقلا غير متهم كما يقول أبو بكر، أضف إلى جميع ذلك أن أخبار الثقلين المتظافرة تدلنا على أن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله - ص - على ما سنشير إليه.
3 - تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب:
إن هذه الروايات معارضة بالكتاب، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وان السور كانت منتشرة بين الناس، حتى المشركين وأهل الكتاب، فإن النبي - ص - قد تحدى الكفار والمشركين على الاتيان بمثل القرآن، وبعشر سور مثله مفتريات، وبسورة من مثله، ومعنى هذا: أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم.
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة، وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي " وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا، لأنه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل ولا على ما كتب في اللخاف، والعسب، والأكتاف، إلا على نحو المجاز والعناية، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزء غير مجتمع، فضلا عما إذا لم يكتب، وكان محفوظا في الصدور فقط.