هذا واحد من المسلمين، يعرب عن عقيدته وعزمه، وتفانيه في إحياء الحق، وإماتة الشرك. وكان الكثير منهم على هذه العقيدة، متذرعين بالاخلاص.
إن القرآن هو الذي نور قلوب أولئك العاكفين على الأصنام، المشتغلين بالحروب الداخلية والمفاخرات الجاهلية، فجعلهم أشداء على الكفار رحماء بينهم.
يؤثر أحدهم حياة صاحبه على نفسه، فحصل للمسلمين بفضل الاسلام من فتوح البلدان في ثمانين سنة ما لم يحصل لغيرهم في ثمانمائة سنة. ومن قارن بين سيرة أصحاب النبي وسيرة أصحاب الأنبياء السابقين علم أن في ذلك سرا إلهيا، وأن مبدأ هذا السر هو كتاب الله الذي أشرق على النفوس، وطهر القلوب والأرواح بسمو العقيدة، وثبات المبدأ.
انظر إلى تاريخ الحواريين، والى تاريخ غيرهم من أصحاب الأنبياء تعلم كيف كانوا. كانوا يخذلون أنبياءهم عند الشدائد، ويسلمونهم عند خشية الهلاك!!
ولذلك لم يكن لأولئك الأنبياء تقدم على طواغيت زمانهم بل كانوا يتسترون عنهم بالكهوف والأودية. وهذه هي الخاصة الثانية التي تفضل القرآن على سائر المعجزات.
وإذ قد عرفت أن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه فاعلم أن اعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربانية، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى جملة منها على نحو الاختصار:
1 - القرآن والمعارف:
صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أمي، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بنى ملا من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أميته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الاسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى